Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Nau'ikan
22
الطبيعة أو الطبائع ليست إلا قوة النفس الكلية الفلكية ، وهي قوة روحانية فاضت من العقل فيضا سرورا متصلا، بتأييد أبدي ودائم من الباري، وهي قوة سارية في جميع الأفلاك التي دون فلك القمر. باق أن نعلم أن «الباعث للنفس الكلية إلى إدارة الفلك وتسيير الكواكب هو الاشتياق منها إلى إظهار تلك المحاسن والفضائل والملاذ والسرور التي في عالم الأرواح، التي تقصر ألسن الوصف عنها إلا مختصرا كما قال تعالى:
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ».
23
هذا من الناحية الأنطولوجية التي هي الجوهر والأساس والآية.
ومن الناحية الإبستمولوجية أيضا العلماء نفوس جزئية خادمة للنفس الكلية. الفلاسفة أطباء النفوس، غرضهم نجاة النفوس الغريقة في الهيولي وإخراجهم من هاوية الكون والفساد، وإيصالها الجنة عالم الأفلاك وسعة السماوات بتذكيرها ما قد نسيت من أمر معادها.
هكذا كان توجيه الطبيعيات نحو الإلهيات المهمة المنوطة بالفيض والنفس الكلية الفلكية، وهما صلب نظرية الوجود لتساهم معهما مجامع علم التنجيم. إن التوجيه اللاهوتي يكاد يكشف عن نفسه في كل سطر وأحيانا كثيرة يأتي بصورة ساذجة، كأن تكون الظواهر الفلكية بشارات أو نذر ليرتدع العصاة، فضلا عما يستنطقون به الدواب والطير والهوام، واسترسالهم في هذا وكأنهم يكتبون للأطفال، ولا يفوتهم أبدا لي عنق كل مبحث طبيعي في نهايته ليصب لا في المتجه الإلهي فحسب، بل في متجه وعظي إرشادي سطحي، حتى إن رسائلهم في الطبيعيات تكاد تذكرنا ببرامج العلم والإيمان في الإذاعة المرئية الآن.
ثم إنهم - كفلاسفة - بوجه عام يفسرون الطبيعيات في إطار العلل الأرسطية الأربع: الهيولي والصورة والفاعل والغاية. والفاعل هو العلة الأولى ونقطة البدء، أما العلة الغائية فهي السهم المنطلق توا إلى الإلهيات، فتدور الطبيعيات من الثيولوجيا إلى الأنطولوجيا وبالعكس في الدائرة المغلقة، التي لم يفتح الانتقال من الكلام إلى الحكمة طريقا للخروج منها ... فلا فرق. •••
ثم يأتينا الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا (370-428ه/980-1037م) بفلسفة طبيعية أنضج نسبيا في تسخيرها لنظرية الفيض، لم تبرأ من تهاويم التنجيم المهيمنة، لكن تخلو من تلك الملامح الطفولية، وتخلو أيضا من الإبداع أو إضافة ذات بال عما قاله المعلم الثاني الفارابي. ينقل ابن سينا عن الفارابي ترتيب الموجودات في فيضها عن الله نقلا حرفيا.
هاجم بضراوة طبيعيات المتكلمين، وقال: إن العالم - كما علمنا أرسطو - مكون من مادة وصورة لا من جواهر فردة، ومثلما رفض أرسطو ذرية ديمقريطس، رفض ابن سينا نظرية الجوهر الفرد ونقدها نقدا عسيرا،
Shafi da ba'a sani ba