Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Nau'ikan
ومع هذا أخذ بعض أصحاب الجوهر الفرد من النظام فكرة الطفرة لتفسير الحركة - معقله الأثير - فقالوا إن الحركة طفرة من نقطة لأخرى، والزمان طفرة من آن إلى آن في الفراغ أو الخلاء الذي تتحرك فيه الذرات أو الجواهر الفردة. •••
هكذا تكتمل نظرية الوجود المنفصل المتغير دائما، كمقدمة لهدم العالم عن طريق تقنيته، «حتى تتدخل الإرادة الإلهية المشخصة من خارج، وكأن غرضها: فرق تسد.»
29
وتأكدت انفصالية العالم بنفي بقاء العرض زمانين أو آنين، إنه يخلق في كل لحظة، مما يجعل الخلق مستمرا، فيحقق الله بتدخله المباشر اتصال هذا العالم. التدخل عمودي وليس أفقيا، الله خالق العالم، مبدع لجميعه، يبقى فعالا فيه دائما، فلا تعود الطبيعة مجالا للفعل الإنساني؛ لأنه: «ليس للقدرة الحادثة أي تأثير في إيجاد أي شيء.»
30
هكذا يظهر تصور الطبيعة القدرة الإلهية، وكأن إثباتها لن يتأتى إلا على حساب العالم والعلم وليس لحسابهما! وقد كان المتكلمون من أجل هذا على استعداد دائم للتضحية بالطبيعة، فهم - مثلا - يرفضون النظرية الضوئية في الإدراك البصري حرصا على تفسير صفات السمع والبصر في الله بلا حاسة أو شعاع أو شيء، وهذا الاستعداد للتضحية بالطبيعة وضع تعقلها في موضع هامشي، مما فتح الباب لتقلص الفكر الموضوعي، فينفسح المجال للإيمان بالمعجزات وخوارق الأولياء وكراماتهم في تسخير وهمي للطبيعة، يعني في حقيقة الأمر انفلاتها من بين يدي العقل الإسلامي، من حيث يعني تلاشي العقل ذاته.
هذه التضحية بالطبيعة وتهميشها ساعد عليها أن تواضع الوسائل التجريبية والحصائل الهزيلة للعلوم الطبيعية في عصرهم البعيد لم يكن ليشحذ عزما للزود عنها، ولكن الآن بعد أن تبدلت العصور وتخلقت أطر معرفية جديدة، لا تنقصنا الذرائع للاعتراض على طريقهم والقطيعة المعرفية معهم وتأكيد احترام الطبيعة وضرورة إدراك قوانينها وتسخيرها لإرادة الإنسان ومن أجل صالحه، فلم يعد هذا في عصرنا شرط التقدم فحسب، بل شرط البقاء. •••
في مقابل ولع النظام بالحركة يقول زميله في الاعتزال معمر بن عباد السلمي إن الأجسام متحركة في اللغة ساكنة في الحقيقة. السكون هو الكون لا غير ذلك، وأن تكون الحركة في اللغة فقط فهذا بعد من أبعاد «المذهب الأسمى»، الذي انتشر في علم الكلام خصوصا بين معتزلة بغداد وأتباع معمر القائلين بمذهب المعاني، بمعنى أن الكليات مجرد أسماء أو معان في الأذهان ولا وجود لها في الأعيان.
والحق أن نفي بقاء الأعراض يؤدي إلى نفي الكلي. في الخارج أو في الأعيان لا يوجد إلا الجزئي، يقول ابن حزم الأندلسي: «إنما جعلت الأسماء عبارات وتمييزا بين المعاني والأشياء والمطلوبات، ولا فائدة في الاسم أكثر من هذا.»
31
Shafi da ba'a sani ba