Tabiciyyat Fi Cilm Kalam
الطبيعيات في علم الكلام: من الماضي إلى المستقبل
Nau'ikan
اختلف ألتوسير عن لينين وجورج لوكاتش (1891-1937)، في تأكيده أن الأيديولوجيا ليست مجرد الوعي الطبقي أو الاجتماعي، بل هي - كما سبق أن أشار ماركس - نقيضة العلم، لكنه اختلف مع ماركس أيضا بإضافة أن المعرفة تبدأ من الأيديولوجيا، ثم يتعين التخلص منها وإحلال العلم محلها فيما أسماه بالقطيعة المعرفية. هكذا كانت القطيعة لإفساح الطريق أمام العلم، وأمام الاشتراكية العلمية، وكان هذا الاستخدام إيذانا بنمو المفهوم، أو تمثيلا لخروجه من أعطاف فلسفة العلوم الطبيعية ومن قلب صيرورة البحث العلمي، ليعم ويسود بعد ذلك ويصبح بمثابة «موضة شائعة» في كل مجالات الفكر والأدب والفن أيضا، وقد عبر عنها الأدب تعبيرا رديئا بات قولا مأثورا هو: «انظر وراءك في غضب.»
وكان ألتوسير قد برع في استخدام «القطيعة» لتفسير تطور الفكر الماركسي ذاته ونشأة المادية التاريخية، كما استخدمها ميشيل فوكوه للفصل بين الحقب المعرفية، لقد تحررت القطيعة من ارتباطها بتطور العلم الطبيعي البحت.
ولعل ما يميز التجربة الأوروبية الحديثة حقا أن العلم فيها هو الذي قاد التحول الحضاري؛ أي إن الإبستمولوجي هو الذي أخضع الأيديولوجي، وأصبحت حضارة تقنية، تعملقت فيها قيم العلم تعملقا بات يمثل خطورة هددت أبعادا حضارية أخرى تهديدا وبيلا، وبالتالي تسللت كثرة من مفاهيم العلم وفلسفته إلى الحضارة وفلسفتها، بل إلى الواقع الحضاري ذاته، وأحكمت قبضتها عليه. وقد تسلل مفهوم القطيعة هو الآخر، وأبدى فعالية جمة ومطابقة في تفسير الحضارة الأوروبية، وتجربة الحداثة فيها، وعلى يد كثير من المفكرين والباحثين الغربيين، نذكر منهم أخيرا إميل بولا
18
لقد أصبحت القطيعة توصيفا لتجربة الوعي الأوروبي، حين خرج من العصور الوسطى ملتجئا إلى الطبيعة، بوصفها طريقا للمعرفة، فقطع نفسه عن الماضي الذي اعتبر الكتاب المقدس طريقا للمعرفة؛ هكذا أصبحت القطيعة عنوانا للأيديولوجيا الغربية الحديثة.
لكن المفهوم أولا وقبل كل شيء من مفاهيم فلسفة العلوم الطبيعية، آلية من آليات العقل العلمي، كما أوضحنا. لم يعرف ولم يتبلور إلا بعد تطورات العلم الأخيرة، وعلى وجه التعيين ثورته العظمى في مطالع القرن العشرين، ثورة النسبية والكمومية (الكوانتم) التي أحدثت قطيعة معرفية مع مثاليات الفيزياء الكلاسيكية النيوتونية كالحتمية والعلية والضرورة واليقين ... بعد أن كان يظن أن هذه المثاليات تأطير لكشف حقيقة الكون، لم يبق إلا رتوش لكي تكتمل الصورة النهائية للعلم الكامل بمطلق الوجود الطبيعي، بل وأيضا الحيوي والإنساني.
ولئن كانت الظروف المتعينة للحضارة الغربية جعلتها هي التي تشهد وتستملك تجربة التقدم العلمي الحديث، فالذي ينبغي الاتفاق عليه هو أن آليات العقل العلمي لا شأن لها بالأيديولوجيا والصراع بين الثقافات؛ لأنها ملك للعقل من حيث هو عقل، للعلمي من حيث هو علمي ... ملك للبشر أجمعين ، ومنها مفهوم أو آلية القطيعة المعرفية، لا سيما وأننا سوف نستخدمها استخداما معرفيا من أجل توظيف إبستمولوجي، ولن يمتد لآفاق شاملة لمجمل الأيديولوجيا كما حدث في التجربة الأوروبية.
إذن فتشغيلنا للقطيعة التي هي إبستمولوجية لن يعني مطابقة الأيديولوجيا الغربية وتماهي خصوصيتنا الأيديولوجية، فمن أجل هذه الخصوصية وتواصلها، أو الأصالة وتحديثها، كان تعويلنا على علم الكلام. بعبارة موجزة؛ القطيعة هنا إبستمولوجية ولن تصبح حضارية أو أيديولوجية.
ويمكن اعتبار ما يسمى بالقطيعة الحضارية توصيفا للموقف الذي أطلق عليه طيب تيزيني اسم «العدمية التراثية»؛
19
Shafi da ba'a sani ba