إنها إحدى وحدات العالم العربي الأربع، الثلاث الباقيات هي: وادي النيل، الجزيرة العربية، والمغرب.
هذه الوحدات الأربع تؤلف الجبهة العربية، التي يجب أن نتعسكر فيها قوة تسحق أعداءها، وإن استطاعت هذه الجبهة، في مستقبل الأيام، أن تنصهر في وحدة سياسية - نحن نرى أنها مستحيلة التحقيق لانعدام مقوماتها - فليس منا من يسعى لهذه الوحدة أن لا تكون.
وهذه الجبهة العربية، لبلادنا - لا لسواها - مسئولية قيادتها، إذن وقد انتدبتنا الحياة، بما عتقت فينا من مواهب وركزت من قوى متفوقة بهذه المسئولية؛ فأولى واجباتنا في قيادة العالم العربي أن نفهم العروبة نقية صافية، فقد أثبتت الحروب أن أفعل المقاتلين هم من يفهمون ما من أجله يقاتلون، والعروبة هي شيء نقاتل من أجله.
بلادنا مزقها ضعفنا، ومزقها الاستعمار، علينا بالقوة أن نطرد الاستعمار ونتغلب على الضعف. والاستعمار هو صهيونية اغتصبت أرضنا، ودول أجنبية احتلت أو بسطت نفوذا، ومن هذه الدول الأجنبية المستعمرة دولة تحاول السيطرة علينا بالتسلل إلى نفوس مواطنينا، شيوعية تفسدها.
كانت بلادنا عبر أجيال طويلة ضعيفة، ولكن القدرة الجبارة هي أبدا كامنة فيها، تثور مبعثرة هنا وهناك براكين من عبقريات وبطولات، غير أن بلادنا عبر تاريخها الطويل ما كانت على الضعف الذي هي عليه اليوم، بعد أن تمزقت. مهمة الحزب السوري القومي الاجتماعي أن ينقذ هذه الأمة بأن يبعث قواها فتستعيد وحدتها؛ والقوة في جوهرها هي إيجابية بناءة.
هذه الخارطة تسمي وتحدد بلادنا؛ فهي إذن تسمي وتحدد حياتنا، فحياة أي منا، وبلاده، هما لفظتان لمدلول واحد؛ لهذا كانت هتفتنا، وستبقى - تحيا سورية.
قفص الشعاع
بعد مائة سنة، أو خمسين، سيطبق تلميذ التاريخ كتابه ويقهقه، ثم يستعيد رصانته، ويتساءل بألم: «أكانت بلادنا من الجهل والضعف بحيث وجدت في الحركة القومية الاجتماعية شيئا غريبا؟»
ثم يتأمل رجاء أن يهتدي إلى سر بقاء هذا الحزب، وانتشاره وثبوته للصدمات وتغلبه عليها، ويبحر ليستقري سبب تهاوي غيره من المنظمات والهيئات والتشكيلات، ثم يعجب أن كيف يعقل، وكل هذه، كالحزب السوري القومي الاجتماعي، تعبئ قواها من خزان الأمة الواحد؛ فتندثر هي ويبقى هذا الحزب، لا ليركد بل ليثور ويتفولذ ويقهر.
وقد يرتد دارس التاريخ إلى تحليل غير هذه الحركة من الحركات المنقذة في حياة سوانا من الأمم؛ فيكتشف أنها محاولة وثوب من هوة إلى قمة، ويلمس في جميعها العناصر الأساسية المشتركة الواحدة، ويجد في قادتها ومؤسسيها، كما يجد في أنطون سعادة الصفات الغلابة، التي تسم كل من بحق دعي زعيما، ويجد في تلامذته من الصفات ما ميزت تلامذة سواه من أصحاب الدعوات. فيهم البطل، وفيهم الجاهل المهووس، وفيهم من سئم طول الطريق، وفيهم الخائن، وفيهم المرتد، وفيهم من يحاول أن يشرد ليتزعم فئة أخرى. ولكنه لن يكتشف - تلميذ التاريخ - واحدا اعتنق عقيدة صاحب هذه الدعوة ولم تفعل في نفسه هذه الدعوة، فتسمها بطابع لا يمحى.
Shafi da ba'a sani ba