الكثير، وكفى بما يتمتعون من الثروات الطائلة التي لا منبت لها غير المستبيح الفاخر بمشاركة المستبدَّ في امتصاصه دم الأمة، وذلك بأخذهم العطايا الكبيرة، والرواتب الباهظة، التي تعادل أضعاف ما تسمح به الإدارة العادلة لأمثالهم؛ لأنها إدارة راشدة لا تدفع أجورًا زائدة. ومنها أنهم لا يصرفون شيئًا ولو سرًا من هذا السحت الكثير في سبيل مقاومة الاستبداد الذي يزعمون أنهم أعداؤه، إنما يصرف بعضهم منه شيئًا في الصدقات الطفيفة وبناء المعابد سمعةً ورياءً، وكأنهم يريدون أن يسرقوا أيضًا قلوب الناس بعد سلب أموالهم أو أنهم يرشون الله، ألا ساء ما يتوهمون. ومنها أنَّ أكثرهم مسرفون مبذِّرون، فلا تكفي أحدهم الرواتب المعتدلة التي يمكن أن ينالها أجرة خدمة لا ثمن ذمة. ومنها أنه قد يكون أحدهم شحيحًا مقتِّرًا في نفقاته؛ بحيث يخلُّ في شرف مقامه، فلا يصرف نصف أو ربع راتبه مع أنَّه يقبضه زائدًا على أجر مثله لأجل حفظ شرف المقام، العائد لشرف الأمة، وبهذا الشُّحّ يكون خائنًا ومهينًا. والحاصل أنَّ الأكابر حريصون على أن يبقى الاستبداد مطلقًا لتبقى أيديهم مطلقة في الأموال.
هذا ولا ينكر التاريخ أن الزمان أوجد نادرًا بعض وزراء وازروا الاستبداد عمرًا طويلًا، ثمَّ ندموا على ما فرَّطوا فتابوا وأنابوا، ورجعوا نصف الأمة واستعدوا بأموالهم وأنفسهم لإنقاذها من داء الاستبداد. ولهذا؛ لا يجوز
1 / 73