ثقته، وهم الجند الذي تجتمع تحت لوائه بسهولة، وربما يكفيه أنْ يضحك في وجههم ضحكة. فلننظر ما هو نصيب أهل هذا القسم من تلك المزايا الموروثة:
هل يرث الابن عن جده المؤسس لمجده أميالَه في العدالة ولم توجد؟ أم يدبُّ ويشبُّ على غير التّرف المصغِّر للعقول، المميت للهمم؟ أم يتربّى على غير الوقار المضحك للباطل، السّائد فيما بين العائلة في بيتهم؟ أم يستخدم الثروة في غير الملاذ الجسمية الدنيئة البهيمية وتلك الأبّهة الطاووسية الباطلة؟ أم يتمثَّل بغير أقران السوء المتملقين المنافقين؟ أم لا يستحقر قومه لجهلهم قدر النُّطفة الملعونة التي خُلق منها جنابه؟ أم لا يبغض العلماء الذين لا يقدِّرونه قدره حسبما هو قائم في مخيلة خيلائه؟ أم يرى لجنابه مقرًّا يليق به غير مقعد التحكُّم ومستراح التآمر؟ أم يستحي من النّاس؟ ومن هم النّاس؟ وما النّاس عند حضرته غير أشباح عندها أرواح خُلقت لخدمته!
وهذه حالة الأكثرين من الأصلاء، على أننا لا نبخس حقَّ من نال منهم حظًا من العلم وأوتي الحكمة وأراد الله به خيرًا فأصابه بنصيب من القهر انخفض به شاموخ أنفه، فإنَّ هؤلاء - وقليل ما هم- ينجبون نجابة عظيمة، فيصدق عليهم أنَّهم قد ورثوه قوّة القلب يستعملونها في الخير لا في الشّر، واستفادوا من أنفة الكبرياء كالجسارة على العظماء، وهكذا تتحول فيهم ميزة الشرِّ على فائض خير وحَسَبٍ شامخ من نحو الحنين إلى الوطن وأهله، والأنين لمصابه، والإقدام على العظائم في سبيل القوم، وأمثال هؤلاء النوابغ النُجَباء إذا كثروا في أمة يوشك أن يترقّى منهم آحاد إلى درجة الخوارق فيقودوا أممهم
1 / 65