من عيون الظالمين المذلّين، أو يكون من نجباء بيوت ما انقطعت فيها سلسلة المجاهدين وما انقطعت عجائزها عن بكائهم. ومن أمثلة المجد قولهم: خلق الله للمجد رجالًا يستعذبون الموت في سبيله، ولا سبيل إليه إلا بعظيم الهمّة والإقدام والثّبات، تلك الخصال الثّلاث التي بها تقدَّر قيم الرجال.
وهذا نيرون الظالم سأل أغربين الشاعر وهو تحت النَّطع: من أشقى الناس؟ فأجابه معرِّضًا به: من إذا ذكر الناس الاستبداد كان مثالًا له في الخيال. وكان ترايان العادل إذا قلَّد سيفًا لقائد يقول له: "هذا سيف الأمة أرجو أن لا أتعدّى القانون فيكون له نصيبٌ في عنقي". وخرج قيس من مجلس الوليد مغضبًا يقول: "أتريد أن تكون جبارًا؟ والله؛ إنَّ نعال الصعاليك لأطول من سيفك!. وقيل لأحد الأباة: "ما فائدة سعيك غير جلب الشقاء على نفسك؟ ". فقال: "ما أحلى الشقاء في سبيل تنغيص الظالمين! ". وقال آخر: "عليَّ أن أفي بوظيفتي وما عليَّ ضمان القضاء". وقيل لأحد النبلاء: "لماذا لا تبني لك دارًا؟ " فقال: "ما أصنع فيها وأنا المقيم على ظهر الجواد أو في السجن أو في القبر"، وهذه ذات النطاقين (أسماء بنت أبي بكر ﵂ وهي امرأة عجوز تودِّع ابنها بقولها: "إن كنت على الحقّ فاذهب وقاتل الحجاج حتى تموت". وهذا مكماهون رئيس جمهورية فرنسا استبدَّ في أمر فدخل عليه صديقه غامبتا وهو يقول: "الأمر للأمة لا إليك، فاعتدل، أو اعتزل، وإلا فأنت المخذول المهان الميت!!
والحاصل أنَّ المجد هو المجدُ محبَّبٌ للنفوس، لا تفتأ تسعى وراءه وترقى مراقيه، وهو ميسَّرٌ في عهد العدل لكلِّ إنسان على حسب استعداده وهمَّته، وينحصر تحصيله في زمن الاستبداد بمقاومة الظّلم على حسب الإمكان.
1 / 59