أكبر الألم إنما يأتي من الغضب والحنق الناتجين، لا من الأسباب الأصلية لغضبنا وحنقنا.
تاسعا:
للرفق تأثير فعال لا يقهر، بشرط أن يكون أصيلا لا تصنع فيه ولا نفاق؛ فماذا عسى أن يفعل لك أعنف الناس إذا ما بقيت رفيقا به، وبذلت له النصح ما استطعت وبينت له خطأه في نفس الوقت الذي يحاول فيه إيذاءك؟ «لا يا بني إنما خلقنا لغايات أخرى غير هذا. لا سبيل إلى أن تصيبني بأذى؛ فما تؤذي إلا نفسك يا ولدي.» وترفق إليه في الحديث وبيدك المبدأ العام الذي يقضي بذلك؛ فالنحل لا تفعل ذلك ولا أي مخلوقات جبلتها الطبيعة على الاجتماع. ولا يشوبن نصحك أي شيء من السخرية أو التوبيخ. وليكن نصحا مترفقا غير جارح، ولا تحدثه كأنك تلقي محاضرة تريد أن تنتزع بها إعجاب الآخرين، بل تحدث إليه وكأنه وحده من غير شهود.
تذكر هذه المبادئ التسعة كأنها هدايا من ربات الفنون. ولتكن إنسانا ما حييت. وتجنب التملق بقدر ما تتجنب الغضب في التعامل معهم؛ فكلاهما ضار ولا يؤدي إلى الصالح العام. وتذكر في نوبات غضبك أن الغضب ليس من الرجولة في شيء، وأن الرحمة واللين أكثر إنسانية وبالتالي أكثر رجولة؛ فالرحماء هم ذوو القوة والبأس والشجاعة وليس القساة ولا الساخطون. فكلما تحكمت في انفعالاتك كنت أقرب إلى القوة.
20
فالغضب دليل ضعف شأنه شأن الجزع؛ فالغاضب والجزع كلاهما أصيب وكلاهما استسلم.
ودونك هدية عاشرة من قائد ربات الفنون (أبولو)؛ أن من الجنون أن تتوقع من الأشرار ألا يقعوا في الخطأ؛ أن تطلب ذلك هو أن تطلب المستحيل، ولكن أن تسمح لهم أن يفعلوا مثل ذلك بالغير ولا يفعلوه بك هو خطل واستبداد. (11-19) ثمة أربعة أدواء أساسية تصيب العقل الموجه كن على حذر دائم منها كلما صادفتها، وقل في كل حالة: «هذه الفكرة لا لزوم لها.» «هذه قد تضعف وشائج المجتمع.» «هذا الذي تهم بقوله لا يعبر عن قناعتك الحقيقية.» (أن تقول ما لا تقتنع به هو قمة التناقض). أما الرابع فهو عندما تبكت نفسك على أي شيء؛ فهذا دليل على أن الجزء الأكثر ألوهة فيك قد خضع واستسلم للجزء الأدنى والفاني - أي الجسد - ولذاته العنيفة. (11-20) كل ما هو من عنصري الهواء والنار فيك يميل بطبيعته إلى أعلى. ورغم ذلك فهو يطيع ميل «الكل» ويظل راضخا هنا في الكتلة المركبة (الجسد). وكل ما هو من التراب والماء فيك، رغم ميله إلى الهبوط إلى أسفل، يرفع إلى أعلى ويبقى في وضع غير طبيعي بالنسبة له. إذن حتى العناصر تعنو ل «الكل»، وترغم على البقاء في موضعها المخصص لها، حتى يأتي نذير الفناء مرة أخرى من المصدر نفسه.
أليس من العجيب إذن ألا يتمرد، ويتبرم بمكانه الممنوح له، إلا الجزء العاقل منك؟ ورغم ذلك فليس مفروضا عليه شيء غير ما يتفق مع طبيعته، ولكنه ما يزال يأبى أن يذعن، وما يزال يرتد في الاتجاه المعاكس؛ فكل اتجاه نحو الظلم والإفراط والغضب والأسى ما هو إلا ردة عن الطبيعة. وفضلا عن ذلك، فمتى أحس العقل الموجه بالاستياء من أي حدث فهذا أيضا تخل عن واجبه المنوط به؛ فهو لم يفطر على العدل إلى البشر فحسب بل فطر أيضا على تمجيد الرب وخدمته؛ فهذا أيضا شكل من أشكال التناغم مع الفطرة ولعله أهم وأوجب من أفعال العدل. (11-21) «من لا يثبت على غاية واحدة في الحياة لا يمكن أن يبقى هو نفسه واحدا طوال حياته.»
21
لا يكتمل هذا المبدأ ما لم تضف إليه أيضا ماذا ينبغي أن تكون هذه الغاية؛ فمثلما تتعدد الآراء حول ما يعتبره الأغلبية خيرا بطريقة أو بأخرى ولا ينتزع الإجماع إلا فئة واحدة من الأشياء وهي الأشياء التي تصب في الصالح العام؛ كذلك ينبغي أن يكون هدفنا الذي نكرس له أنفسنا هو هدف اجتماعي؛ أي صالح إخواننا المواطنين؛ فمن يوجه كل جهوده إلى هذا الهدف فسيكون متسقا في كل أفعاله، ويكون، من ثم، هو الشخص نفسه طوال حياته. (11-22) قارن فأر الجبل بفأر المنزل: انظر كم هو مروع مستنفر فأر المنزل. (11-23) اعتاد سقراط أن يطلق على الاعتقادات الشائعة اسم «بعبع»؛ أشياء تخيف بها الأطفال.
Shafi da ba'a sani ba