ستمسح يوما بعد يوم مبادئك المقدسة، كلما تصورتها وسلمت بها دون أن تخضعها لاختبار الفلسفة الطبيعية، ولكن واجبك أن تجمع بين النظر والعمل، فتكون لديك القدرة على التعامل مع الظروف بما تقتضيه، وأن تمارس التأمل النظري، فتحتفظ بالثقة التي تأتي من الإحاطة بكل شيء خاص، دون أن تظهرها ودون أن تخفيها.
فمتى سوف تتمتع بالبساطة؟ ومتى ستتمتع بالرصانة؟ ومتى ستتمتع بمعرفة كل شيء مفرد؛ ما هي طبيعته الجوهرية، ومكانه في العالم، والعمر الطبيعي لوجوده، وما هي مكوناته، ولمن يمكن أن ينتمي، ومن القادر على منحه وعلى منعه؟ (10-10) العنكبوت فخورة حين تصطاد ذبابة. والإنسان فخور بصيده؛ أرنب مسكين، سمكة صغيرة في شبكة، خنازير، دببة، أسرى من الصرامطة.
6
والجميع من حيث الدافع لصوص. (10-11) اتخذ طريقة منهجية لترى كيف تتحول الأشياء جميعا الواحد منها إلى الآخر. أول انتباها دائما لهذا الجانب من الطبيعة ودرب نفسك عليه؛ فلا شيء أقدر منه على السمو بالعقل. يسمو من يتدرب عليه كأنما نضا عنه جسده، فيتبين أنه، بأسرع مما يتصور أحد، لا بد تارك كل هذا وراءه وراحل من عالم البشر. ويكرس نفسه تماما للعدل في أفعاله، ويذعن لطبيعة العالم في كل شيء يحدث. ولا يفكر أدنى تفكير فيما عسى أن يقوله الآخرون عنه أو يفترضوه فيه أو يدبروه ضده، بل يكتفي بهذين الشيئين؛ أن يتحرى العدل في كل ما يفعله الآن، وأن يتقبل بسرور رزقه الآني. لقد صرف عنه كل المشاغل والأطماع، ولم يعد يرغب إلا في أن يسير على الطريق المستقيم وفقا للقانون، وفي سيره المستقيم يتبع طريق الرب. (10-12) فيم التوجس والشك إذا كان بوسعك أن تبحث وتدرك ما ينبغي فعله، وبوسعك أن ترى طريقك وتمضي فيه راضيا ولا تتلفت وراءك. إذا كنت لا تتبين الطريق فتوقف وخذ مشورة أفضل ناصحيك. فإذا حالت حوائل أخرى دون النصيحة فامض وفق قدراتك الحالية ولكن بترو واجب، ملتزما دائما بما يبدو لك عدلا؛ فالعدل هو أفضل ما تتغياه، والعدل هو الشيء الذي يحق أن يقال إننا نفتقده، وإذا أخفقنا أن يكون إخفاقنا هو في السعي إليه.
من يتبع العقل في كل شيء فإنه يجمع في نفسه بين السكينة والإقدام، وبين الحماسة والاتزان. (10-13) سائل نفسك فور يقظتك من النوم: «هل ثمة من فارق بالنسبة لك إذا ما انتقد الآخرون ما هو في الحقيقة عدل وصدق؟» كلا ... لا فارق. ولعلك لم تنس قط ماذا يكون هؤلاء الذين يصهلون في مدح الآخرين ولومهم، وما شأنهم في الحل والترحال، وماذا يفعلون وماذا يتجنبون أو يطلبون، وكيف يغشون وكيف يسرقون، لا بالأيدي والأقدام بل بأعز جزء من أنفسهم؛ الجزء الذي به، إذا شاء المرء، تتأتى الأمانة والتواضع والصدق والقانون وروح السعادة. (10-14) الطبيعة تعطي كل شيء وتسترد كل شيء مرة ثانية. يقول لها من تعلم وتواضع: «هبي ما شئت واستردي لك ما شئت.» يقولها لا بروح التحدي، بل ببساطة كأحد رعاياها المخلصين. (10-15) قصير هو ما تبقى لك من العمر، عشه كما لو كنت فوق جبل؛ هنا أو هناك لا فرق، ما دمت حيثما عشت تتخذ العالم كوطن لك، فليشهدك الناس، وليعرفوا رجلا يعيش وفقا للطبيعة. فإذا لم يطيقوه فليقتلوه؛ فلهذا أفضل من أن يعيش حياة كحياتهم. (10-16) بحسبك من كلام عما ينبغي أن يكون عليه الرجل الصالح؛ كن رجلا صالحا. (10-17) تأمل دوما الزمان كله والوجود كله، تجد كل شيء مفرد بمقياس الوجود مجرد بذرة تينة، دورة مخرز. (10-18) انظر إلى أي شيء موجود ولاحظ أنه منذ الآن في عملية فناء وتغير، يتجدد، بمعنى ما، من خلال الفساد أو التبدد، وبعبارة أخرى؛ انظر إلى أي ضرب من «الموت» يولد كل شيء. (10-19) أي صنف من الناس هم حين يأكلون ويرقدون ويضاجعون ويقضون حاجتهم ... إلخ؟ ثم أي صنف من الناس هم حين يتولون السلطة على الناس؟ متجبرين، متحجري القلب. ورغم ذلك كيف كانوا منذ قليل عبيدا لكل تلك الحاجات وكل تلك الأشياء. وأي منقلب، بعد قليل، سينقلبون. (10-20) ما تقدمه طبيعة العالم لكل شيء فهو لخيره، وإنه لخيره في لحظة تقديمه. (10-21) «الأرض تحب المطر، والسماء الجليلة تحب أن تمطر.»
7
العالم كله يحب أن يخلق المستقبل. أقول للعالم إذن: «إنني أبادلك الحب.» أليس هذا ما قيل أيضا من أن «هذا يحب أن يحدث»؟
8 (10-22) إما تعيش هنا، وقد ألفت العيش، وإما تتقاعد، وهذا قرارك، وإما تموت، فقد انتهت خدمتك. وليس من خيار آخر. ابتهج إذن ... ابتهج. (10-23) ليكن واضحا لك دائما أن العشب ليس أكثر خضرة في أي مكان آخر.
9
وأن كل شيء هنا مثل كل شيء على قمة جبل أو على شاطئ بحر أو حيثما شئت.
Shafi da ba'a sani ba