11
حتى الأغلبية بوسعها أن تدرك الفرق، وإلا لما كنا نأخذ هذا القول، على ما يثيره فينا من استياء وامتعاض، كتعليق دال وظريف يصف حال الثروة وامتيازات الفخامة والشهرة. امض إذن واسأل هل ينبغي أن نثمنها ونعدها خيرات تلك الأشياء التي إذا ما تصورناها في أذهاننا جاز لنا بحق أن نصف صاحبها بأنه «بلغ من الوفرة مبلغا لم يترك له محلا يقضي فيه حاجته»؟ (5-13) مكون أنا من صورة ومادة، ولن تفنى أي منهما وتصير إلى عدم، كما أن أيا منهما لم تأت من عدم. إذن كل جزء مني سوف يقيض له مكانه الجديد في جزء ما من العالم، وهذا الجزء سوف يتغير بدوره إلى جزء آخر من العالم، وهكذا إلى غير نهاية. وثمة تسلسل مماثل من التغير أتى بي إلى الوجود، وبوالدي من قبل، وهكذا رجعا إلى ما لا نهاية في الاتجاه المقابل. هذا حكم لا ينقضه شيء حتى لو كان العالم مقدرا له أن يمر بدورات من العود الأبدي. (5-14) العقل وفن إعمال العقل هما ملكتان تكفيان ذاتهما بذاتهما وبعملياتهما الخاصة؛ فهما تبدآن من المقدمة المعينة وتتخذان طريقهما إلى الغاية المقدرة لهما؛ لهذا السبب تسمى أعمال العقل «أعمالا صائبة أو صحيحة»
catorthoseis
وهي لفظة تدل على أنهما تمضيان في الطريق الصحيح.
12 (5-15) لا شيء من هذه الأشياء ينبغي أن يسمى «إنسانيا» تلك التي لا تنتمي إلى الإنسان بما هو إنسان. إنها لا تلزمه كإنسان، ولا تهيب بها طبيعة الإنسان. إنها ليست كمالات لهذه الطبيعة؛ ومن ثم فهي لا تشكل غاية الإنسان أيضا، ولا حتى أية وسيلة لهذه الغاية الإنسانية التي هي الخير. وفضلا عن ذلك، إذا كانت أي من هذه الأشياء تنتمي إلى الإنسان لما حق لأي امرئ أن يزدريها أو يصدف عنها، ولما كنا نطري أي امرئ يبدي استغناءه عنها لو صح أنها خيرات حقا، ولما أمكن لمن يزهد في أي منها أن يكون امرءا صالحا، ولكن الحقيقة أنه كلما حرم المرء نفسه من هذه الأشياء وأشباهها، أو حرم من أي منها، كان أصبر عنها وأكثر احتمالا لفقدانها، وكان بنفس الدرجة ... أكثر إنسانية. (5-16) كيفما تكون أفكارك المعتادة تكون طبيعة عقلك؛ فالنفس تصطبغ بالأفكار،
13
اصبغ نفسك إذن بسلسلة متصلة من الأفكار مثل هذه؛ حيثما أمكن الإنسان أن يعيش أمكنه أيضا أن يعيش حياة صالحة ، ولكن عليه أن يعيش في قصر؛ إذن بوسعه أن يعيش في القصر حياة صالحة.
مرة ثانية: كل مخلوق إنما خلق من أجل مخلوق آخر، ومساره موجه إلى ذلك الذي خلق من أجله، وغايته تكمن في ذلك الذي يتجه إلى مساره، وحيثما كانت غايته فثم أيضا خيره وصلاحه. ينتج من ذلك أن خير المخلوق العاقل هو الجماعة. ولقد طالما انعقد الدليل على أننا خلقنا للجماعة. أليس من الواضح أن المخلوقات الدنيا جعلت من أجل المخلوقات العليا، والعليا من أجل بعضها البعض؟ ولكن الأشياء الحية أعلى من غير الحية، والأشياء العاقلة أعلى من مجرد الحية.
14 (5-17) طلب المحال جنون، ومحال على الشرير أن يعمل على غير شاكلته. (5-18) لن يصيب الكائن أي شيء لم تؤهله الطبيعة لتحمله، هاك شخص آخر أصابه ما أصابك. ولأنه لا يدرك ما وقع له أو لأنه يتجمل ويتظاهر بالشجاعة فهو يبقى هادئا. أليس من المؤسف إذن أن يكون الجهل والادعاء أقوى من الحكمة؟! (5-19) لا يمكن للأشياء ذاتها أن تمس النفس أقل مساس. ليس لدى الأشياء مدخل إلى النفس وليس بمكنتها أن تدير النفس أو تحركها. إنما النفس تدير ذاتها وتحرك ذاتها، وتقيم لنفسها ما تراه ملائما من الأحكام على ما يعرض لها من أشياء.
15 (5-20) من جهة، أعد الإنسان هو أقرب شيء لي ما دام علي أن أفعل الخير للبشر وأن أحتملهم، ولكن إذا جعل البعض من أنفسهم عقبات أمام أفعالي الصالحة يصبح الإنسان بالنسبة لي شيئا من ضمن «الأشياء الأسواء»،
Shafi da ba'a sani ba