200

تأويل مختلف الحديث

تأويل مختلف الحديث

Mai Buga Littafi

المكتب الاسلامي ومؤسسة الإشراق

Lambar Fassara

الطبعة الثانية

Shekarar Bugawa

1419 AH

عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبْزَى الْمَكِّيِّ، عَنْ أُمِّهِ رَائِطَةَ بِنْتِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حُنَيْنًا فَقَالَ لِي: "مَا اسْمُكَ"؟ قُلْتُ: غُرَابٌ. فَقَالَ: "أَنْتَ مُسْلِمٌ" كَرِهَ أَنْ يَكُونَ اسْمُهُ غُرَابًا، لِفِسْقِ الْغُرَابِ وَمَعْصِيَتِهِ١، فَسَمَّاهُ مُسْلِمًا، ذَهَبَ إِلَى ضِدِّ مَعْنَى الْغُرَابِ؛ لِأَنَّ الْغُرَابَ عَاصٍ وَالْمُسْلِمَ مُطِيعٌ، مَأْخُوذٌ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ. وَكَانَ ﵇، يُحِبُّ الِاسْمَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَلَوْ أَنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْمَذْهَبَ -الَّذِي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ- فِي تَجْوِيزِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ عَلَى الْحَيَّةِ وَالْغُرَابِ وَالْفَأْرَةِ، إِلَى مَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَفِي اللُّغَةِ، لَجَازَ لَنَا أَنَّ نُسَمِّيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ فَاسِقًا، لِأَنَّ الْفِسْقَ الْخُرُوجُ عَلَى النَّاسِ وَالْإِيذَاءُ عَلَيْهِمْ. يُقَالُ: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ إِذَا خَرَجَتْ عَنْ قِشْرِهَا، وَكُلُّ خَارِجٍ عَنْ شَيْءٍ، فَهُوَ فَاسِقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ ٢ أَيْ: خَرَجَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ وَطَاعَتِهِ. فَالْحَيَّةُ تَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ مِنْ جُحْرِهَا، فَتَعْبَثُ بِطَعَامِ النَّاسِ، وَتَنْهَشُ وَتَكْرَعُ فِي شَرَابِهِمْ، وَتَمُجُّ فِيهِ رِيقَهَا. وَالْفَأْرَةُ أَيْضًا تَخْرُجُ مِنْ جُحْرِهَا، فَتُفْسِدُ أَطْعِمَتَهُمْ، وَتَقْرِضُ ثِيَابَهُمْ وَتُضْرِمُ بِالذُّبَالَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ، وَلَا شَيْءَ مِنْ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ أَعْظَمُ مِنْهَا ضَرَرًا. وَالْغُرَابُ، يَقَعُ عَلَى دَآءِ الْبَعِيرِ الدُّبُرِ٣ فَيَنْقُرُهُ حَتَّى يقْتله، وَلذَلِك

١ رُبمَا كَانَ تَبْدِيل النَّبِي ﵇ اسْم الرجل بِسَبَب مَا اعْتَادَ النَّاس عَلَيْهِ من التشاؤم بالغراب، لَا لسَبَب مَعْصِيّة الْغُرَاب لِأَنَّهُ غير مُكَلّف شرعا فَكيف تنْسب إِلَيْهِ الْمعْصِيَة؟! "الْمُحَقق" وَالله أعلم. ٢ سُورَة الْكَهْف: الْآيَة ٥٠. ٣ الدبر: قرحَة الدَّابَّة، وَمِنْه الْمثل: "هان على الأملس مَا لَاقَى الدبر" "الْقَامُوس الْمُحِيط".

1 / 214