166

Scenes from the Lives of the Companions

صور من حياة الصحابة

Mai Buga Littafi

دار الأدب الاسلامي

Bugun

الأولى

المُحِبِّ بِحَبيِّبهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ إِقْبَالَ الظَّامئ عَلَى المَوْرِدِ العَذْبِ فِي اليَوْمِ القَائِظِ، وَجَعَلَهُ شُغْلَهُ الشَّاغِلَ.

فَكَانَ لَا يُرَى إِلَّا مُجَاهِدًا غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ عَاكِفًا يَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ.

وَكَانَ رَخِيمَ الصَّوْتِ، مُبِينِ النُّطْقِ، مُشْرِقَ الأَدَاءِ، تَطِيبُ لَهُ قِرَاءَةُ القُرْآنِ أَكْثَرَ مَا تَطِيبُ إِذَا سَكَنَ اللَّيْلُ، وَنَامَتِ العُيُونُ، وَصَفَتِ النُّفُوسُ.

وَكَانَ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ يَتَحَيَّنُونَ(١) أَوْقَاتَ قِرَاءَتِهِ، وَيَتَسَابَقُونَ إِلَى سَمَاعِ تِلَاوَتِهِ.

فَيَا سَعْدَ مَنْ يُتَاحُ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ القُرْآنَ مِنْهُ رَطْبًا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقَدِ اسْتَعْذَبَ أَهْلُ السَّمَاءِ تِلَاوَتَهُ كَمَا اسْتَعْذَبَهَا أَهْلُ الْأَرْضِ.

فَفِي جَوْفِ لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي كَانَ أُسَيْدُ بْنُ الحُضَيْرِ جَالِسًا فِي مِرْبَدِهِ(٢)، وَابْنُهُ يَحْيَى نَائِمٌ إِلَى جَانِبِهِ، وَفَرَسُهُ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُرتَبِطَةٌ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنْهُ.

وَكَانَ اللَّيْلُ وَادِعًا سَاجِيًا(٣)، وَأَدِيمُ السَّمَاءِ رَائِقًا صَافِيًا، وَعُيُونُ النُّجُومِ تَزْمُقُ الأَرْضَ الهَاجِعَةَ بِحَنَانٍ وَعَطْفٍ.

فَتاقَتْ(٤) نَفْسُ أُسَيْدِ بْنِ الحُضَيْرِ لِأَنْ يُعَطِّرَ هَذِهِ الأَجْوَاءَ النَّدِيَّةَ بطُيوبِ القُرْآنِ، فَانْطَلَقَ يَتْلُو بِصَوْتِهِ الرَّخِيمِ الحَنُونِ:

﴿آلم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾

(١) يتحينون أوقات قراءته: يترقبون أوقات قراءته ويترصدونها.

(٢) المربد: فضاء وراء البيت.

(٣) ساجيًا: ساكنًا.

(٤) تاقت نفسه: رغبت واشتاقت.

171