ملحق بالمقدمة
أشعار التيفاشي

(1)

- 1 -

نبه نديمك أن الليل قد صخبا ... والليل قوض من تخييمه الطنبا

والفجر في كبد الليل السقيم حكى ... سر المتيم عن إخفائه غلبا

كأنه بظلام الليل ممتزجا ... سمراء تفتر أبدت مبسما شنبا

كأنما الفجر زند قادح شررا ... في فحمة الليل لاقي الفحم والتهبا

كأن أول فجر فارس حملت ... راياته البيض في إثر الدجى فكبا

كأن ثاني فجر غرة وضحت ... تسيل في وجه طرف أدهم وثبا (الوافي 8: 289)

- 2 -

سعد الغرب وازدهى الشرق عجبا ... وابتهاجا بمغرب ابن سعيد

طلعت شمسه من الغرب تجلى ... فأقامت قيامة التقييد

لم يدع للمؤرخين مقالا ... لا ولا للرواة بيت نشيد

أن تلاه على الحمام تغنت ... ما على ذا في حسنه من مزيد (بغية الطلب 2: 160 ونفح الطيب 2: 325)

Shafi 38

- 3 -

يا طيب الأصل والفرع الذكي كما ... يبدو جنى ثمر من أطيب الشجر

ومن خلائقه مثل النسيم إذا ... يهفو على الزهر حول النهر في السحر

ومن محياه والله الشهيد إذا ... يبدو إلى بصري أبهى من القمر

أثقلت ظهري ببر لا أقوم به ... لو كنت أتلوه قرآنا مع السور

أهدت لي الغرب مجموعا بعالمه ... في قاب قوسين بين السمع والبصر

كأنني الآن قد شاهدت أجمعه ... بكل من فيه من بدو ومن حضر

نعم ولاقيت أهل الفضل كلهم ... في مدتي هذه والأعصر الأخر

إن كنت لم أرهم في الصدر من عمري ... فقد رددت علي الصدر من عمري

وكنت لي واحدا فيه جميعهم ... ما يعجز الله جمع الخلق في بشر

جزيت أفضل ما يجزى به بشر ... مفيد عمر جديد الفضل مبتكر (بغية الطلب 2: 160 - 161 ونفح الطيب 2: 325)

- 4 -

ويوم سرقناه من الدهر خلسة ... بل الدهر أهداه لنا متفضلا

أشبهه بين الظلامين غرة ... لحسناء لاحت بين فرعين أرسلا - 5 -

مغناك أغناك من أرض تيممها ... لكسب مال فلا تفرح به ونم

فسوف تأكل فيه [رزق] كل فتى ... من سائر الناس من عرب ومن عجم

ربع تعدى لما يلقى بساحته ... من لذة وانبساط سائر الأمم

وكل ما فيه ممنوع ومحترم ... فلا سبيل به إلا إلى الحرم (نزهة الألباب: 38)

- 6 -

قد كان للماضين من ... أرباب مصر همم

فالفضل عنهم فضلة ... والعلم فيهم علم

إن انقضت أعلامهم ... وعلمهم وانصرموا

Shafi 39

فاليوم مصر عدم ... إن كان يرجى العدم

وانظر تراها ظاهرا ... باد عليها الهرم (الوافي 8: 290 وخطط المقريزي 1: 122)

- 7 -

ألست ترى الأهرام دام بناؤها ... ويفنى لدينا العالم الأنس والجن

كأن رحى الأفلاك أكوارها على ... قواعدها الأهرام والعالم الطحن (خطط المقريزي 1: 121)

- 8 -

خليلي لا باق على الحدثان ... من الأول الباقي فيحدث ثان

إلى هرمي مصر تناهت قوى الورى ... وقد هرمت في دهرها الهرمان

فلا تعجبا أن قد هرمت فإنما ... رماني بفقدان الشباب زماني

وعوجا بقرطاجنة فانظرا بها ... جنايتي العادين تنتحبان

وإيوان كسرى فانظراه فإنه ... يخبركما بالصدق كل أوان

فلا تحسبا أن الفناء يخصني ... ألا كل ما فوق البسيطة فان (خطط المقريزي 1: 122)

Shafi 40

أحمد الله سبحانه على نعمه الباطنة والطاهرة، وأسأله الصلاة على سيدنا محمد وآله العترة الطاهرة، وأصحابه العصبة الزاهرة، وأجدد حمده على ما جبلني عليه من تتبع آثار العلماء، واقتفاء سنن الأدباء.

وكنت فما أيام الوالد - رحمه الله - أرى تردد الفضلاء إليه، وتهافت الأدباء عليه؛ ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشي القيسي في جملتهم، وأنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه؛ غير أني كنت أسمعه يذكر للوالد كتابا صنفه، أفنى فيه عمره، واستغرق دهره، وأنه سماه " فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب "، وأنه لم يجمع ما جمعه كتاب. وكنت على صغر السن أنكر تجاسره على هذا الاسم الذي عده الله عز وجل من النعمة، ومن على نبيه بأنه آتاه فصل الكتاب مع الحكمة.

وكنت شديد الشوق إلى الوقوف عليه، وترفي الوالد رحمه الله في سنة خمس وأربعين وستمائة، وشغلت عن الكتاب، وتوفي شرف الدين التيفاشي بعده بمدة، فلما ذكرته بعد سنين، وقد جاوزت الستين، تطلبته من كل جهة، ورمته من كل وجهة، فلم أجد من يدلني عليه، ولا من يذكر أنه نظر إليه؛ فبذلت الجهد في طلبه إلى أن ظفرت به عند شخص كان من أصحابه، فسعيت إلى بابه، وبذلت له جملة لم تكن في حسابه، فلم يسمح لي مع فقره ببيع ولا عارية، ولا استحسنت تملكه باليد العادية؛ وعدت إلى طلبه منه، واستعنت عليه بمن لا غنى له عنه، فلم يفد فيه سؤال ولا شفاعة. ولم يعط لنا فيه طاعة. إلى أن قدر الله تعالى تملكه في سنة تسعين وستمائة. فرأيته مجردا في مسودات وجزازت. وظهور وتخريجات. وقد جعله

Shafi 1

من تجزئة أربعين جزءا. لم أجد منها سوى ست وثلاثين ربطة. وهو في غاية الاختلال، لسوء الحظ، وعدم الضبط. ولو لم يكن تكرر وقوفي على خطة في زمن الوالد، وعرفت اصطلاحه، في تعليقه. لما قدرت على قراءة حرف منه غير أني عرفت طريقته في خطه واصطلاحه، وتحققت فساده من صلاحه (1) ، ووقفت منه على أوراق في مفرقات ومفردات. وجزازات تفعل في مطالعها ما لا تفعل الزجاجات. فضممت ما وجدت منه وجدت منه بعضه إلى بعض. وأحرزته بتجليده من الأرضة والقرض.

ورأيته (2) قد جمع فيها أشياء لم يقصد بها سوى تكثير حجم الكتاب، ولم يراع فيه التكرار، ولا ما تمجه أسماع ذوي الألباب. فاستخرت الله في تعليق ما يحتار منه ورغبت في إبرازه إلى الوجود، فإنه ما دام بخطه لا يفهم أحد شيئا عنه. فأخذت زبده، ورميت زبده، وأوردت تكرره، وتركت مكرره، وبذلت في تنقيص جهدي، وجعلته سميري أوقات هزلي وجدي، فإنه روضة المطالع، ونزهة القلوب والمسامع، ويسر به الخاطر، ويقر به الناظر (3) ، وسميته:

" سرور النفس بمدارك الحواس الخمس "

وإلى الله الرغبة في الصفح عن مصنفه وعني، والعفو عما أثبتناه بقلمينا فإن العفو غاية التمني.

Shafi 2