Akwatin Duniya
صندوق الدنيا
Nau'ikan
الثلاثاء، لا يزال آدم يضحك مني كلما خرجت إلى البركة لأنظر فيها إلى نفسي، ولاسيما بعد أن وقعت فيها وأنا أتأمل خيالي في صقالها. ليته ينظر في مائها الصافي مرة. إذن لكف عن هذه السخرية. وما أنسى يوم قمت فألفيتني راقدة في ظل وارفة الأظلال لفاء، وكيف ذهبت أعجب لنفسي من عسى أن أكون؟ وأين أنا؟ وماذا جاء بي إلى هنا؟ وكيف كان ذلك؟ وكان على مقربة مني كهف يتدفق منه الماء إلى بركة. فقصدت إليها وانطرحت على بساط الروض، وجعلت أنظر في الماء وإذا تحت عيني - في جوف الماء - صورة تنحني وترمقني، فتراجعت فارتدت مثلي، فعدت أنظر، فعادت تحدق في وجهي بعينين جميلتين يفيض منهما العطف والحب، فلولا صوت رحيم هفا به النسيم إلي «إن ما ترين ليس إلا صورتك وخيالك»، لما انصرفت عن الماء إلى هذه الساعة، وإن آدم لقوي وجميل، ولكن ذلك الخيال الذي يتراءى لي في الماء ألين وأعذب.
الخميس، كل يوم يبدو لي من آدم خلق عجيب. كنت ألومه وأشكوه إلى نفسي وأؤنبه على هروبه مني واختفائه بين الأشجار، وأقول له فيما أقول: «إني أنسى كل شيء حين أكون معك، حتى الجنة لا أباليها ولا أحفل ما فيها، وإن نسيم الصبح حين يهب بأصوات العصافير لذيذ، وإنه ليس أطيب من ريا الأرض بعد أن يجودها من السماء هاضب، ولا أرق من مقدم الليل علينا بنجومه الزهر وقمره الساري، ولكن ما من شيء في الأرض ولا في السماء يروقني أو يفتنني إذا لم تكن معي. فالعجب لك كيف تطاوعك نفسك على مجافاتي والفرار مني وأنا بعضك؟»
ففتح عينيه جدا وقال: «بعضي، ماذا تعنين؟»
فقلت: «نعم بعضك! ألست قد خلقت من ضلع في جنبك الأيسر؟» فوثب إلى قدميه وقال: «من ضلع في جنبي؟ من قال هذا؟»
قلت: «إنها الحقيقة.»
فرفع يده إلى صدره وجعل يمر بأصابعه على ضلوعه ويتحسسها بعناية، ثم نظر إلي وقال: «هذا غير صحيح. إن ضلوعي كاملة لا نقص فيها وقد عددتها أمامك.»
الجمعة، قال لي آدم إن في هذه التي أسميها «جنة عدن» أشياء كثيرة تسترعي النظر والسمع أيضا، ولكني لا أنتبه إليها؛ لأن لساني لا يكف عن الدوران، وأضاف إلى ذلك أني أنا المخلوق الوحيد الذي لا ينتفع بعينيه وأذنيه. وأني أفسد عليه الطواف في «الجنة» وأحيل المقام فيها كالمقام في «ذلك المكان الآخر.»
وقد اغتنمت هذه الفرصة ونبهت آدم إلى أني «أنثى»، وأن عليه أن يكف عن مخاطبتي أو الإشارة إلي بضمير المذكر، فهز رأسه وقال: إنه يشك فيما أقول، ولكن الأمر لا يعنيه وإنه سيتحرى مرضاتي ما دام أن هذا يسرني، عسى أن يكف هذا الرضا من غرب لساني الذي لا ينفك يعترض.
السبت، لم أكن أنوي أن أكتب اليوم شيئا. ولكني عثرت بقصاصة بخط آدم قرأت فيها هذه العبارة: «لقد كانت أيام الأسبوع كلها جمعا قبل أن يأتي هذا المخلوق الجديد الذي نفى عني الراحة وهدوء البال ...» «بقية الكلام رديئة. ويظهر أن حواء كتبت تعليقها على عبارة آدم بسرعة وانفعال. على أني مع هذا استطعت أن أقرأ الكلام ولكني أعتذر للقراء فإني أعلى بأبينا الشيخ عينا وأعمق إجلالا له من أن أسمح بنشر ما خطته أمنا المسكينة عنه في ساعة من ساعات الغضب.»
الأحد، مواظبة آدم على الكتابة تدهشني، وتعليله لذلك أبعث على الدهشة. فهو يقول إنه يقتل الوقت بذلك وينفي عن نفسه الملل. الملل حقا؟ ألست معه أونسه؟
Shafi da ba'a sani ba