San Yatsan Abu al-Sin
سن ياتسن أبو الصين
Nau'ikan
إن سيادة الأمة - مين شوان - هي الكلمة الثانية في شعارنا الثوري، وهي تقابل كلمة المساواة في شعار الثورة الفرنسية.
وقد انتشرت الحضارة الأوروبية شرقا فانتشرت معها المذاهب السياسية والاقتصادية والعلمية إلى الصين، وتعود الصينيون كلما نقلوا شيئا عن أوروبة أن ينسخوه كلمة كلمة بغير تعديل، فإذا كانت الثورة الأوروبية منذ قرنين أو ثلاثة قرون قد كافحت من أجل الحرية فليكافح الصينيون كذلك، وإذا كان الأوروبيون قد حاربوا في سبيل المساواة فالمساواة هي التي يحارب الصينيون أيضا في سبيلها، ولكن ضعف الصين الآن لا يرجع إلى قلة الحرية والمساواة، فإذا نحن صرفنا الجهد إلى استنهاض عزائم الشعب بصيحة الحرية والمساواة فقد ركبنا شططا وابتعدنا كثيرا من الوجهة المثلى؛ لأن شعبنا لم تلعجه هذه المسائل، وليس في حسه انتباه شديد إليها، فهو لا ينضوي إلى رايتنا إذا ناديناه بأسمائها.
إن حزبنا الثوري لا يهيب بالشعب إلى المعركة من أجل الحرية والمساواة، بل من أجل المبادئ الثلاثة، وهي التي تعطينا الحرية والمساواة إذا أخرجناها إلى حيز الفعل من حيز القوة.
إذ الحرية والمساواة تقومان على الديمقراطية وتستندان إليها، فلا يطول بقاء الحرية والمساواة إلا حيث تزدهر الحرية، وما من وسيلة تفلح في حفظهما إن ضاعت سيادة الأمة، فلهذا نظر الحزب الثوري في الصين إلى وجهة الحرية والمساواة، ولكنه جعل الديمقراطية - أو سيادة الشعب - قوام الدعوة وشعارها، فلن يستمتع شعبنا بنعم الحرية والمساواة ما لم يدرك الديمقراطية، وهذه النعم داخلة في حسابنا منطوية في السيادة القومية.
وكثيرون منا يحسبون أن الديمقراطية إذا بلغت في الصين مبلغها في الأقطار الغربية تكون قد بلغت أهدافها، وتعتبر الصين إذن في طليعة أمم التقدم والحضارة، بيد أن المسافة بعيدة بين الديمقراطية الغربية كما نقرؤها في الكتب والديمقراطية الغربية كما نراها في الواقع.
انظروا مثلا إلى رواد الديمقراطية الغربية من أمثال الولايات المتحدة وفرنسا التي نشبت ثورتها منذ أكثر من مائة سنة، فكم من الحقوق السياسية أدركها الشعب هنالك فعلا؟ إن المؤمن بالديمقراطية على حقيقتها يبدو له أنه لم يدرك منها غير القليل، وقد خطر للذين نافحوا الاستبداد طلبا لحقوق الشعب أنهم بالغون غاية الديمقراطية دفعة واحدة، فضحوا بكل شيء وحصروا جهودهم كافة في معركة حياة وموت، فلما ظفروا بالنصر إذا هم يتبينون أنهم لم يكسبوا من القوة إلا القليل مما علقوا به الآمال أثناء الثورة، وأنهم لما ينتهوا إلى الديمقراطية الوافية.
ومنذ رأى بعض الصينيين أن الولايات المتحدة تقدمت إلى مركزها الحاضر غنى وقوة على نهج الدساتير الاتحادية التي تترك الشئون المحلية لسلطان الحكومة، إذا بأولئك الصينيين المثقفين يتخيلون أن الصين تنال الغنى والقوة بالدساتير الاتحادية، ولم يشغلوا أنفسهم وهم يحاولون علاج مشاكل الصين بأن يعقدوا المقارنة بينها وبين الولايات المتحدة، وكان قياسهم المنطقي أن الدساتير الاتحادية هي الطريق إلى الغنى والقوة ما دمنا نريدهما وما دامت الولايات المتحدة قد حصلت عليهما من هذه الطريق، ونسوا أن هذا النظام إنما قام هناك؛ لأنه كان قائما فعلا في كل ولاية وكان لكل ولاية فعلا دستور وحكومة، فنحن إذا أردنا محاكاته وجب أن تهيئ كل ولاية من ولاياتنا دستورها وحكومتها المحلية، ثم تجتمع الولايات أخيرا للاتفاق على دستور الأمة قاطبة، أو بعبارة أخرى نعمد إلى الصين المتحدة فنقسمها كما كانت الولايات الأمريكية مقسمة منذ قرن مضى، ثم ندمجها جميعا في حكومة واحدة، وأنه لتفكير ولا شك منحرف عن الصواب، وكأنما نحن ببغاوات تردد الكلمات وعيونها مغمضة عما حولها.
وهؤلاء أصحاب هذه الفكرة يسوغون تقسيم الولايات في بلادنا بقيام الولايات الأمريكية على هذه القاعدة، وقلما يخطر لهم أن يرجعوا إلى الحالة التي كانت عليها الولايات الأمريكية عند إعلان استقلالها، فهل يذكرون لم كانت هذه الولايات تتغنى بالوحدة بعد خروجها من سلطان بريطانيا العظمى؟ إنها فعلت ذلك؛ لأنها كانت متفرقة ولم تكن قط جماعة منتظمة في إدارة واحدة، فرأت أن تجتمع لتصبح أمة متحدة.
والصين في هذا الصدد ما شأنها؟ لقد كانت الصين ظاهرا منقسمة إلى ثماني عشرة ولاية تضاف إليها ولايات منشوريا وسنكيانج فهي أربع وعشرون، وتضاف إليها كذلك جيهول وسويوان وككنور وولايات شتى ذات وضع خاص بها عدا منغوليا والتيبت. وكل هذه الأقاليم كانت تابعة لحكومة المانشو المركزية خلال مائتي سنة، وكانت قبل ذلك على عهد أسرة منج متحدة، بل كانت مع أقطار آسيا وأوروبة دولة واحدة في عهد أسرة يوان، فإذا رجعنا إلى أسرة سانج وجدنا الولايات على رباط وثيق ووجدنا الأقاليم كذلك بعد عبور نهر اليانجزي إلى الجنوب، وقد كانت على أيام أسرة تانج وأسرة هان على رباط كهذا الرباط، فلا معنى لتجزئة الصين مع أنها لم تكن أجزاء متفرقة في تاريخها القديم.
إن هذا الشتات الذي منيت به الصين في الوقت الحاضر إنما هو ظاهرة عارضة، جر إليها استيلاء القادة العسكريين على أجزائها، وهي حالة لا بد أن نعمل للخلاص منها، ولا يصح لأي سبب من الأسباب بعد اليوم أن نتصايح بالدعوة الاتحادية «الفدرالية» كأنما نمهد بذلك لاستقرار كل قائد من أولئك القادة العسكريين في البلد الذي استولى عليه، فلن تصبح الصين أمة ذات قوة ووفر إذا نجح القادة كل منهم في تسويغ سيطرته على الإقليم الذي هو فيه.
Shafi da ba'a sani ba