87

San Yatsan Abu al-Sin

سن ياتسن أبو الصين

Nau'ikan

ونضرب المثل بإنجلترا التي تعد اليوم أقوى دول العالم، فإنها ضمت إلى الجنس الأبيض أناسا من السمر والسود وغيرهم لتكوين الإمبراطورية البريطانية، فلا يصدق عليها أن الجنس والدولة شيء واحد، وهذه هونج كونج - وهي مقاطعة بريطانية - تؤوي عشرات الألوف من الصينيين فلا يصح أن يقال عنها: إن حكومة هونج كونج تعني أمة بريطانية.

أو انظروا إلى الهند - وهي اليوم مستعمرة بريطانية - تجدوا ثمة ثلاثمائة وخمسين مليونا من الهنود، فإذا قلنا: إن حكومة الهند والأمة البريطانية شيء واحد فنحن في زيغ من الحقيقة، ونحن جميعا نعلم أن أبناء إنجلترا الأصلاء من الأنجلوسكسون، ولكنهم غير محصورين في البلاد الإنجليزية، بل يوجد في الولايات المتحدة أيضا طوائف كبيرة من هذه السلالة، فلا يتأتى لنا حين ننظر إلى البلدان الأخرى أن نوحد بين معنى الدولة ومعنى الأمة، فبين المعنيين خط فاصل يميز بينهما.

فكيف يتسنى لنا التمييز الواضح بين هذين المعنيين؟ خير منهج ننهجه للتمييز بينهما أن ندرس العوامل التي مزجتهما، ونبسط العبارة، فنقول: إن الجنسية أو القومية تنمو بالعوامل الطبيعية، أما الدولة فتنمو بقوة السلاح، ونستعين بشاهد من تاريخ الصين السياسي فنذكر أن الصينيين تعودوا أن يقولوا: إن «وانج تاو» هي الطريق السلطانية وطريق الحقيقة، فالجماعة التي تتألف على الطريقة السلطانية هي السلالة أو القومية، أما القوة المسلحة فهي «باتاو» أو طريق الغلبة، فالجماعة التي تتألف على هذه الطريقة هي الدولة.

ونمعن النظر في قوانين البقاء كما عملت في السلالات القديمة والحديثة، فيبدو لنا أننا لا نستطيع أن ننقذ الصين ونحفظ سلالتها إلا بتنمية بواعث القومية، وعلينا أن نفهمها جيدا قبل أن نجعلها عاملا واضحا من عوامل الخلاص والسلامة.

إن أهل الصين يبلغون أربعمائة مليون، لا تختلط السلالة فيهم إلا في بضعة ملايين من المغول، وفي نحو مليون من المنشو، وفي ملايين قليلة من أبناء التيبت، وفي مليون من الترك المسلمين، فلا تزيد عدتهم جميعا على عشرة ملايين، ويتحد الصينيون ما عداهم في سلالة هان بدم واحد ولغة واحدة وديانة واحدة وعادات متشابهة: سلالة واحدة صافية.

ما هو موقف الصين من العالم بأسره؟ إننا بالقياس إلى الأمم الأخرى أكبرها عددا وأعرقها حضارة؛ لأنها حضارة دامت أربعة آلاف سنة، ولكننا على هذا نعد بين أفقر الأمم وأضعفها وننزل أسفل المنازل في الشئون الدولية، فنحن السمكة واللحمة وغيرنا من أبناء آدم هم الصفحة والسكين، وموضعنا اليوم على أشد الخطر ما لم نستمسك بعوامل الوطنية ونجمع بين الملايين الأربعمائة في أمة قوية؛ إذ نحن نواجه الكارثة ونستهدف لضياع بلادنا وفناء قوميتنا، ولن ندفع هذه الكارثة بغير الشعور الوطني والاعتماد على النخوة الوطنية لإنقاذ بلادنا.

إن الوطنية هي القنية النفيسة التي تهيئ للدولة أن تتطلع إلى التقدم وللأمة أن تطيل وجودها.

وقد ضيعت الصين اليوم هذه القنية النفيسة، ويتراءى لي أنها ضيعتها قرونا ولم تضيعها يوما وحسب، وما عليكم إلا أن تنظروا إلى الموضوعات التي تحارب الثورة وتندس إلينا من الخارج، وكلها تعارض الوطنية!

لقد كانت الوطنية ميتة خلال مئات السنين من تاريخ الصين، وهذه الموضوعات التي راجت في زماننا لا تعرض لنا نغمة واحدة من نغمات النخوة الوطنية ولا تني شادية بالثناء على فضائل المانشو ورحمتهم ومآثر سخائهم العميم، ونكاد نسمع منذ نشوب الثورة أولئك الأعلام المتطوعين للتغني بما كان للمانشو من المناقب والسجايا، ولم يقنع هؤلاء الأعلام باصطياد العبارات التي تستبقي ذكرى المانشو بل جاوزوا ذلك إلى تأليف جماعتهم المسماة «باو هوانج تانج» للدفاع عن إمبراطور المانشو وسحق النوازع الوطنية في ضمائر أمة الصين.

واجعلوا بالكم إلى هؤلاء الملكيين ... إنهم لم يكونوا من المانشو، بل كانوا من صميم أهل الصين ووجدوا الرعاية والترحيب بين الصينيين المقيمين في الخارج! فلما ازدهرت دعوة الثورة تحول هؤلاء المهاجرون شيئا فشيئا إلى تأييدها وتضاعفت الجماعات الثورية من ثم وراء البحار.

Shafi da ba'a sani ba