58

San Yatsan Abu al-Sin

سن ياتسن أبو الصين

Nau'ikan

وطالما تضاحك الأمريكيون من هذه السذاجة كلما صادفتهم عرضا في دوائر الأعمال والمعاملات، فمن ذاك أن أهل الصين المقيمين بالولايات المتحدة عرفوا اسم الدكتور موريس وليام الذي سبقت الإشارة إليه عند الكلام على مصادر ثقافة الزعيم، فإذا استرابوا في وثيقة تجارية أو نصيحة من محام أو محادثة من صحفي - وهم بمانهتان حيث يقيم الدكتور - قالوا لمن يناقشهم: هاتوا لنا كلمة من الدكتور وليام، ولا تجدي محاولة قط ما لم يسمعوا الكلمة من الدكتور.

ولم تضعف هذه الثقة إلى سنة 1941 بعد وفاة الزعيم بست عشرة سنة، فلما أرادت مسز فرانسس ماسون أمينة صندوق الإعانة الصينية أن تغتنم مناسبة 10 أكتوبر سنة 1941 لنشر الدعوة للصدقة يوم الاحتفال بعيد الجمهورية، واقترحت على طائفة من عامة الصينيين أن تنشر صورهم في الصحف مشفوعة بأحاديث مروية عنهم، تستجلب بها العطف على فقراء بلادهم، كان جوابهم: نعم، نفهم هذا، ولكن لا نفهم لماذا تصوروننا لإعانة أناس يعيشون هناك؟ وماذا عسى أن تعمل صورة هذا الشيخ أو تلك المرأة لتقوية الجند على حرب اليابان وضمد الجراح وإطعام المنكوبين؟

وكادت السيدة أن تجن من الغيظ وأن تصرف المصورين الذين حضروا في مكاتبهم وصبروا نحو ساعة على سماع حوارها. وذكر أحدهم اسم دكتور موريس وليام مستشهدا به على مسألة لا علاقة لها بموضوع الحوار، فلاحت على وجه زعيم الطائفة مستر بنج بارقة حياة، بعد أن لبث برهة كالصفحة الممحوة بلا كتابة ولا رمز ولا إشارة، وسألهم: أأنتم من معارف الدكتور؟ فلما قالوا له نعم، ونقلوا إليه بعض أخباره، قال لهم: حسن، الآن أحدثكم بقصة عن بلادنا وآذن لكم أن تنشروا معها صورتنا ...

وكان لتسعة من التجار الصينيين مشكلة مالية فاستشاروا أحد المحامين فأنبأهم أنها تستدعي ذهابهم إلى المحكمة وإدلاءهم هناك ببعض البيانات، قالوا: إن أشار علينا الدكتور وليام بالذهاب ذهبنا، وإلا فنحن مختارون للمشكلة محاميا غيرك ... وحاول المحامي أن يفهم علاقة الدكتور بالقضية وهو طبيب أسنان، فلم يفهم منهم شيئا حتى اتصل بالدكتور على التلفون، وعلم منه سر هذا «التفويض» القومي الغريب عند جميع الصينيين بالمدينة، ولا سيما الوافدين حديثا من غير المتعلمين.

1

ليست هذه طاعة رعية لرئيس جمهورية، ولكنها ثقة أبناء الوطن بمن سموه أبا الوطنية في بلاد تقديس الأسلاف، وتنسى أن أبوة الزعامة أبوة مجاز فلا تفرق بين الولاء لها والولاء لعبادة الآباء والأجداد.

ولم يؤثر عن أبناء الصين أنهم من ذوي الخيال أو ذوي المزاج الذي يسميه الغربيون بالمزاج «الرومانتيكي»، ويقصدون به صبغ الحياة بصفة الحماسة الشعرية والفخامة الوهمية، فالقوم كما قدمنا عمليون أرضيون يقدرون الأمور بمقادير الحس القريب ولا يعجبون إلا بما يبصرونه ويدركونه ويلمسون شواهده في معارض الواقع والعيان، فزعيمهم سن ياتسن لم يسخرهم بالخيالات والأباطيل، بل كسب الثقة منهم بيقين لا يمتري فيه اثنان، وليس أدعى إلى الثقة بالعظيم عند الناس من ثبوت نزاهته أمام المغريات والمخاوف، ويقينهم أنه لا يبالي مخاوف الموت ولا مطامع الحياة، وقد رسخ هذا اليقين عندهم في نزاهة الرجل حتى أصبح الشك فيها كالشك في رؤيته وسماعه ووجود شخصه، فبلغ بهذا اليقين ما لا تبلغه رئاسة الرؤساء وقدرة الزعماء.

والواقع أن الرجل فني في رسالته حتى لم يبق له وجود بمعزل عنها، وأذهل أنصاره وخصومه بنشاطه بعد قيام الجمهورية كما أذهلهم قبل ذلك بالسعي الحثيث إلى إقامتها، وأوشك أن يحسب من أصحاب طبائع الجان التي توجد في كل مكان، فبينا هو بكانتون إذا هو بشنغهاي وإذا برسالة له تقل من اليابان، أو من الجزر والسواحل المستطيلة من الجنوب إلى الشمال، ويخيل إلى مطارديه أنهم أحاطوا به وسدوا المنافذ عليه ثم يسمعون بأخباره على قيادة جيش أو على ظهر سفينة أو على منصة مؤتمر حاشد، لا يدرون كيف احتشد وكيف وصلت دعوته إليه، وبينا يخيل إلى أتباعه وأشياعه أنه قد يئس واستكان إذا بالأوامر منه تثيرهم إلى النضال وتحتم عليهم النصر «وعليهم أن يظفروا؛ لأنهم لا طاقة لهم بالهزيمة» فالنصر أيسر المطلبين.

وقد ولاه وكلاء الأمة المجتمعون في الجنوب كل منصب تشتد حاجتهم إليه، ولوه قيادة الحملة على الشمال، وأعادوا انتخابه لرئاسة الجمهورية وفوضوا إليه السفارة مع من يشاء، وكان قبوله لكل منصب من هذه المناصب بمثابة التسليم للموت والنكبة، فقبل أخطرها وأعسرها ولم يتردد إلا حين لا خطر ولا عسر ولا مظنة فيهما، بل قبل مرة أن يكون واحدا من سبعة لإدارة الحكومة على نظام القنصلية، ردا لدسيسة الطابور الخامس الذي كان يعمل في الجنوب بإيعاز من بكين.

وساوموه أياما على قسمة الشمال والجنوب وطنين منفصلين، بكين كمعناها عاصمة الشمال، ونانكين كمعناها عاصمة الجنوب، فكان على كراهته للحرب الأهلية يجيب على المساومة بصيحة «الصين الكاملة» ويقول: إن الصين لو بقيت في مثل نصفها متحدة كاملة أصح وأقوى من الصين ذات العاصمتين المنعزلتين.

Shafi da ba'a sani ba