118

San Yatsan Abu al-Sin

سن ياتسن أبو الصين

Nau'ikan

ولم يشيعه أهل الصين تشييع زعيم من زعماء السياسة في عصر ينقضي بانقضاء جيله، بل شيعوه تشييع الخالدين، وشادوا له ضريحا

3

أعظم من ضريح كعبتهم الوطنية في نانكين؛ وهو ضريح عميد آل «منج» الذي حج إليه سن ياتسن بعد إعلان الجمهورية يشهده على أمانة الوطن لعهد الأسلاف والأعقاب.

ومن عادة أهل الصين أن يدلوا على تعظيمهم للدفين بتعظيمهم لنعشه، فلما نقل رفات الدفين المحبوب إلى ضريح نانكين - بعد إعداده في خمس سنوات - تقسم أجزاء النعش مائة وخمسون من أقوياء الجنود، وحملته السفينة الحربية إلى ميناء نانكين، ثم أبى مشيعوه من علية القوم إلا أن يترجلوا طول الطريق، والقيظ في أشد أيامه، ومن المرسى إلى أكمة الضريح خمسة أميال.

ودخلت ذكرى «الأب الكبير» في عداد الصلوات والعبادات، فخصصت لذكراه ساعة من صباح الإثنين في كل أسبوع، ينحني الحاضرون فيها ثلاثا أمام صورته، رمزا إلى مبادئه الثلاثة، ويرتلون نشيد الصين الوطني ويستمعون إلى وصيته ويصمتون دقائق دقائق ثلاثا في خشوع وسكون، ثم ينصرفون.

ولما ظهر بعد وفاته أول دليل من أدلة الأعلام والمشاهير ، لم يكن اسم سن ياتسن بين أسمائه، فأوشكت أن تكون فتنة وأن يهجم الشبان الغاضبون على دار الدليل سخطا على المكتب الموكل بجمعه، فما ينبغي أن يحذف اسم الزعيم الخالد من سجل الأحياء، وهو واهب الحياة للصين جمعاء.

وقد استحق الرجل ولا ريب هذا الوفاء من قومه، فإنه قد نسي نفسه ليذكرهم، ونسي - وهو الطبيب - أنه مريض محطم الجسد ليصحح أبدانهم ونفوسهم، وفارق الدنيا وليس له من ميراث غير مكتبته ومسكنه، ومعه ميراث آخر هو الذي استحق به ذلك الوفاء، وهو ميراث أربعمائة مليون عمل لهم ما لم يكونوا قادرين على عمله لأنفسهم، وقلما يساويه ميراث عظيم من عظماء الأوطان.

وآية العظمة في موازين الإنصاف أن يعمل الإنسان عملا لم يقدر عليه الملايين من قبله.

ليست آية العظمة أن يعمل كل شيء، ولا أن يعمل كل ما أراد، ولو قيست عظمة الأبطال الأفذاذ بمقياس كهذا المقياس لما بقي في التاريخ عظيم واحد، فما من بطل يعفي الناس من العمل بعده، وما من بطل ولا غير بطل حقق أمنيته كلها في حياته، وإنما البطولة أن ينهض فرد بأعباء الألوف، وأن ينسى نفسه ليذكر الناسين وينبه الغافلين، وبهذا المقياس يرتقي سن ياتسن إلى الذروة العليا بين أبطال الوطنية وأبطال الإنسانية، ويستحق حقه من أمته وغير أمته، وقد يكون حقه من أمته متصلا بالمنفعة والأثرة، أما حقه من غيرها فهو حق الأمانة لنفسه ولأبناء نوعه، ما دامت الثقة بالطبيعة الإنسانية شيئا يعنيه.

وهذه الثقة - في رأينا - هي أنفس ما نقتنيه من تراجم العظماء، فكل تراجم العظماء عبث إذا كانت خلاصتهم أن العظماء ليسوا بعظماء، وأننا نترجم لهم لنفضح عيوبهم ونقائصهم ونخرج منها بعزاء واحد لا يغتبط به محب لأبناء نوعه، وهو عزاء الخسة بتلويث كل عظيم.

Shafi da ba'a sani ba