Sultan Muhammad Mai Fatah
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Nau'ikan
كان أول ما عنى السلطان محمد الثاني منذ أن تولى السلطنة العمل على استقرار العرش لأنه عرف من تجارب التاريخ العثماني أنه على استقرار مركز السلطان يتوقف كل شيء في الدولة، تتوقف قوتها ونظمها، رأى الخلل والاضطراب يلم بالدولة إذا ما برز المتنافسون على العرش وأوقدوا نيران الحرب الأهلية، ولم يخف عليه ما عانته الدولة من حروب أهلية كادت تودي بحياتها في عهد من سبقوه من السلاطين، كما قرأ بنفسه قصة الانقسام والتفرق في البلقان، وما آلت إليه حال أهلها من ضعف واضمحلال؛ ولذا عمل على استقرار مركز السلطان ولم يكن هناك قبل عهده قانون يحدد من يلي العرش العثماني بعد وفاة السلطان فوضع السلطان الفاتح سنة جديدة، وإن كانت تظهر للكثيرين سنة قاسية سيئة، وهي أن السلطان الذي يلي الحكم له الحق في قتل إخوته الباقين حتى لا ينازعه أحد منهم على العرش في المستقبل، فجعل بذلك قتل الإخوة سنة مشروعة، ولكنه بررها أمام نفسه وأمام الناس بأن غرضه منها هو «سلام الدنيا والعالم» فوجود الإخوة - كما فهم هو من التاريخ العثماني - من العوامل التي تثير الفتنة بين المسلمين فقتلهم أهون في نظره من إثارتها.
وكان يرى أن يكون مركز السلطان محترما بين رجال دولته، فكان من أعداء التبذل وإن كان من أنصار التبسط، لم يسمح لأحد من رجال دولته بالجلوس على مائدته، جعل ذلك قانونا، فوضع بذلك تقليدا هو ألا يكون للسلطان إلا صحبة ممتازة يأنس بها، زمرة من رجال الدين والعلماء والفلكيين والأطباء، فلم يكن للفاتح إذن اتصال برجال الدولة إلا حين تقضي بذلك أعمال الدولة وإلا إذا كان لهؤلاء الرجال صفات علمية أو أدبية أو فنية تتناسب وذوقه؛ ولذا كان رجال الدولة بلا استثناء يرهبونه ويخشون جانبه ويخافون بطشه.
وليس معنى ذلك أن فاتح القسطنطينية لم يكن يختلط برجاله أو بجنوده أو علمائه ففي أوقات الحرب أو الاستعداد لها كان دائم الاتصال بوزرائه وقواده وجنوده يشرف عليهم بنفسه، ويقوي من روحهم المعنوية ويعدهم ويمنيهم بكل ما يستطيع تنفيذه، وفي أوقات السلم في مجالسه الأدبية وحلقاته الشعرية كان يتبارى مع الأدباء والشعراء والعلماء في تذوق الأدب وقول الشعر ونقد الكتب.
ولقد وضع السلطان محمد الفاتح قوانين الإتيكيت والحفلات في الدولة العثمانية، وهو بلا شك متأثر بالحياة الاجتماعية للأباطرة البيزنطيين، وباتساع الدولة ودخول عناصر أجنبية غربية فيها، فوضع بذلك أساس التشريفات في القصر السلطان العثماني. •••
ووجه عنايته كذلك إلى قوانين الدولة، فحاول تقنين الشرع واختار لذلك من العلماء الأجلاء من يستطيع القيام بهذه المهمة العظيمة ووضع قانون نامه، وهذا القانون كما يقول هو: «هو قانون آبائي وأجدادي، سيعمل به خلفائي من بعدي، من جيل إلى جيل.» فحاول أن يقنن الأوامر والمراسيم التي أصدرها في أوقات مختلفة السلاطين ممن سبقوه. ولم يكن هذا التقنين كاملا بأي حال ولكنه وضع الأساس.
هذا القانون مكون من ثلاثة أبواب، وهو يتعلق بمناصب الموظفين وببعض التقاليد وما يجب أن يتخذ في التشريفات والاحتفالات، وهو يقرر كذلك العقوبات والغرامات.
ونظم السلطان الفاتح الحكومة الجديدة، وساعده في هذه الناحية الصدر الأعظم محمد القرماني. وهذه الحكومة حكومة إسلامية قبل كل شيء، قائمة على تفوق العنصر الإسلامي أيا كان أصله أو جنسه، ولقد جعلها السلطان ترتكز على دعائم أهمها الوزارة والقضاء والمال.
أما من حيث الوزارة فلقد جعل الفاتح عدد الوزراء أربعة، وجعل للصدر الأعظم قيادة الجيش ورياسة الديوان، وإن كان الفاتح قد اهتم بالإشراف على الأمور في كثير من الأحيان بنفسه. أما من حيث النظام الإداري فلقد أبقى السلطان النظام القديم بإدخال بعض تعديلات بسيطة فيه. وهذا النظام يقضي بتقسيم الدولة إلى ولايات للكبرى منها بايلربايات (جمع بايلرباي) وللصغرى البكوات الصناجق، وترك لبعض الإمارات الصقلبية في أول الأمر بعض مظاهر الاستقلال الداخلي، فكان يحكمها أمراء منها، ولكنهم تابعون للدولة ينفذون أوامر السلطان بكل دقة، وهو يعزلهم ويعاقبهم إذا خالفوا أوامره أو فكروا في الثورة على حكومته.
ولقد اهتم السلطان الفاتح اهتماما خاصا بالجيش، فالجيش في نظره أساس الدولة وركنها الأول، فعني بإعادة تنظيمه وبمسألة قيادته، فكان لكل فرقة آغا هو قائدها، وجعل لآغا الإنكشارية حق التقدم على القواد الآخرين؛ فهو يتلقى أوامره من الصدر الأعظم الذي جعل له السلطان القيادة العليا للجيش.
ونال عنصر الرقيق في الجيش عناية خاصة، فكما كتب إلى أوزون حسن يقول: «إن دولتنا هي منزل الإسلام، وإن سراج إمبراطوريتنا ليضيء من قلوب الكافرين.» كان السلطان محمد يشعر أن دولته أكبر دولة إسلامية؛ ولذا فهو يعمل على تجديد شبابها وقوتها متبعا سنة من مضى من السلاطين العثمانيين، وذلك بإدخال عناصر جديدة فيها، هذه العناصر التي أثبتت كفايتها وجدارتها. لقد كان مؤمنا بمهمته الإسلامية والعالمية، فهو يرى ضرورة الجهاد في سبيل الله، ويعتقد أن نظم الدولة يجب أن تخدم هذه الغاية النبيلة، هذه الغاية التي ترمي إلى ضم العناصر المسيحية النشيطة إلى هذه الدولة الناهضة القوية.
Shafi da ba'a sani ba