Sultan Muhammad Mai Fatah
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Nau'ikan
ثم هاجمت جنود الأناضول عند باب القديس رومانوس، وكان هذا بدء الهجوم الحقيقي، وكان هذا عند بزوغ الفجر، فأحدثوا بالدفاع عطبا جسيما، واخترقوا الخنادق وهاجموا السور الخارجي واشتبكوا برجال الدفاع، هاجم الأتراك في كتل بشرية عظيمة منظمة من جنود وهبوا حياتهم للحرب ودربوا للحرب، ولكن الأتراك لم يستطيعوا دخولها من النواحي الأخرى ولكنهم أحدثوا في الدفاع ثغرات، كما أحدثت مدفعيتهم في القتال ثغرات.
ولاحظ السلطان أن ما يبتغيه من إحداث الفوضى بين صفوف المدافعين قد حدث، عند ذلك دفع بجنوده الإنكشارية، وكانوا لم يشتركوا في القتال بعد، فتقدموا في وادي ليكوس كالأسود الضارية لا كرجال، ليقابلوا رجالا قد أنهكهم التعب والجوع وأثخنتهم الجراح، تقدموا بصياحهم الداوي، وتكبيراتهم القوية، وقربوا من الأسوار الداخلية وقتلوا من وجدوهم من المدافعين وداس بعضهم بعضا ووصل بعض الإنكشارية إلى داخل المدينة وارتقى الأسوار وأزال علم الإمبراطور وعلم البندقية، ورفع علم الأتراك.
وفي هذه الأثناء جرح جوستنياني جرحا مميتا فحمل وهو في النزع، وتدفق الأتراك إلى داخل المدينة . وأما الإمبراطور البيزنطي فإنه حمى أنفه ومات كريما لم تذم خلائقه. ولو شاء لعاش ملوما ذليلا مهينا. وقتل الإمبراطور البيزنطي وسنه تسعة وأربعون عاما، فكان آخر الأباطرة البيزنطيين، وأما سراة المدينة فمنهم من غودروا صرعى تعاورهم الرياح، ومنهم من هرب، ومنهم من مات كمدا، ومنهم من عاش ذليلا بحسرة نفس لا تنام همومها. وأما المدينة فاستبيحت حرماتها وكل شيء فيها للفاتحين. لقد قتل أربعون ألف مسيحي في الحصار والهجوم، وأخذ خمسون ألفا، وسلم عشرة آلاف، وقتل عدد كبير من الأرستقراطية الإغريقية، وأخذ أبناؤهم ليتعلموا اللغة التركية والدين الإسلامي وضم النساء إلى حريم السلطان وحريم تابعيه.
ولقد عم الفزع المدينة حين دخلها الأتراك، فحاول عدد كبير من سكانها بمختلف أعمارهم الهرب إلى الميناء، والتجأ جم غفير إلى سانت صوفيا وغيرها من الكنائس معتقدين أنهم وجدوا الأمان، وأن الآلهة ستحميهم من عدوان الترك، وأن الملائكة ستنزل من السماء وتجعل العدو ترابا، وأغلقوا الأبواب وتوسلوا إلى الله، ولكن الأتراك حطموا الأبواب واستولوا على كل شيء، واستمر القتل اليوم الأول، واستبيحت المدينة ثلاثة أيام.
تمكن السلطان من الانتصار لقوته وعزيمته وحماس جنوده وتفوق مدفعيته، فوقعت المدينة تحت أقدامه.
وفي الظهر دخل السلطان محمد الثاني الفاتح المدينة من باب القديس رومانوس يمتطي صهوة جواده في موكب حافل يتبعه وزراؤه وقواده وجنوده، وسار في الشارع المؤدي إلى كنيسة سانت صوفيا، وترجل أمام الباب وانحنى ووضع حفنة من التراب على رأسه خضوعا لله وشكرا، ودخل الكنيسة فبهره جمالها وبهاؤها، ودخل إلى المذبح حيث قابله رجال الكنيسة وكانوا مختبئين فأحسن استقبالهم وأكد حمايته لهم، وطلب من المسيحيين الفزعين الموجودين في الكنيسة الذهاب إلى مساكنهم آمنين.
ثم طلب من أحد المؤذنين أن يؤذن للصلاة، فصعد المنبر وأذن للصلاة لأول مرة في هذه الكنيسة العظيمة، فأصبحت أياصوفيا مسجدا جامعا من أعظم مساجد الإسلام.
ثم طاف السلطان بالمدينة وشاهد آيات جمالها وعظمتها، ومر بالقصر الإمبراطوري فهاله مغادرة أصحابه له وزوال العز عنه، فتمثل بأبيات للفردوسي في هذا المعنى. وفي القسطنطينية أعلن السلطان محمد الثاني الفاتح زوال الدنيا القديمة ومجيء العالم الحديث.
وبعث إلى أمراء المسلمين وسلاطينهم ينبئهم بذلك الفتح العظيم، فيقول ابن إياس صاحب بدائع الزهور إنه أرسل إلى مصر بهذا الفتح «فلما بلغ ذلك دقت البشائر بالقلعة، ونودي في القاهرة بالزينة، ثم إن السلطان عين برسباي أمير خور ثاني رسولا إلى ابن عثمان يهنئه بهذا الفتح.»
ويحاول كثير من المؤرخين الإفرنج المبالغة في وصف أعمال السلب والنهب والقتل التي قام بها الأتراك العثمانيون في المدينة الخالدة، ونسبوا ذلك إلى قسوة في المسلمين ووحشية في الأتراك، ونسوا أن هذا روح العصر كله، وأن هذا العصر عصر الحروب الصليبية، وعلى أي حال لم يرتكب الأتراك العثمانيون في هذه المدينة ما ارتكبه اللاتين الصليبيون حين استولوا عليه في سنة 1204، وقد كانت دائما محط أطماعهم، وهذا هو وصف البابا أنسنت الثالث للبلوى التي حلت بالمدينة في هذه السنة فيقول: «إن أتباع المسيح وناصري دينه الذين كان يجب أن يستلوا سيوفهم ضد عدو المسيحية الأكبر، قد سفكوا الدم المسيحي الحرام وغرقوا في بحاره، هؤلاء لم يحترموا الدين ولا السن ولا الجنس، فارتكبوا الزنا في وضح النهار ... لقد سلمت الراهبات والعذارى والأمهات الطاهرات لوحشية الجنود ... ولم يكتف هؤلاء بسلب ذخائر الإمبراطور ولا نهب متاع الأفراد، بل لقد وضعوا أيديهم على أرض الكنائس وثروتها ... وانتهكوا حرمات الكنائس وسلبوا أيقوناتها وصلبانها وآثارها ومخلفات القديسين.» وأضاف الأستاذ شارل ديل: «لقد دخل الجنود السكارى كنيسة سانت صوفيا، وأتلفوا الكتب المقدسة، وداسوا بأقدامهم صور الشهداء ... وجلست عاهرة على كرسي البطريرك وارتفع صوتها بالغناء ... لقد قضي على آيات الفن في المدينة، وأذيبت التماثيل لتسك نقودا ... ولقد اعترف أحد الرهبان الذين شاهدوا هذا الحادث الأليم فقال: إن أتباع محمد ما كانوا يعاملون المدينة مثلما عاملها جنود المسيح، ثم نظمت الحكومة الجديدة اللاتينية أعمال السلب والنهب وقسمت الإمبراطورية بين اللاتين وفرضت الكثلكة بالقوة على اتباع المذهب الأرثوذكسي ...»
Shafi da ba'a sani ba