Sultan Muhammad Mai Fatah
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
Nau'ikan
لقد زاد مركز المدافعين ضعفا على ضعف، فعددهم قليل ويتناقص باستمرار وبسرعة، وعليهم الدفاع عن أسوار طويلة ضعيفة في بعض النقط، أمام مدفعية متفوقة، وعدو لا يرحم، فكان لا يهدأ للمحاصرين بال، ولا يسكن لهم روع، ولا تطمئن لهم نفس أمام ذلك الضرب المتواصل من كل جانب، بينما كان عددهم يقل، ورعبهم يزداد في كل وقت خشية مباغتة الأتراك لهم، واستمرت الحال على هذا النحو إلى آخر اليومين الأولين من مايو، فبدأ يظهر للعيان جليا عجز المؤن داخل المدينة وخاصة الخبز والنبيذ وكل ما يلزم لتقوية الجنود المدافعين المرهقين.
وكان على المدافعين أن يتركوا مواضعهم في كثير من الظروف ويقطعوا المسافات الطويلة داخل المدينة لاكتساب رزقهم وتناول الطعام مع عائلاتهم، ورأى الإمبراطور البيزنطي خطر الموقف، فعمل على توزيع الطعام على الجنود في أماكنهم، وفي الوقت نفسه كان السلطان محمد الثاني حريصا على تغيير المهاجمين ومن يقومون بالضرب بحيث يستطيعون الاستراحة والاستجمام واستعادة النشاط.
وفي أثناء هذه الظروف القاسية فكر الإمبراطور في بعث سفينة لحث أسطول البندقية في بحر الأرخبيل على الإسراع لمعونة القسطنطينية في أيامها الأخيرة، وبذل آخر مجهود لإنقاذ أعظم مدينة مسيحية في البلقان، ولكن هذه السفينة التي تحمل آخر أمل للعاصمة البيزنطية لم تجد الأسطول البندقي ورجعت خائبة حزينة آسفة.
ثم أمر السلطان بالهجوم على الأسوار مرة أخرى هجوما عنيفا، حينئذ طلب البطريرك وعظماء القسطنطينية وجستنياني إلى الإمبراطور قسطنطين أن يترك العاصمة نهائيا وأن يذهب إلى مكان آخر يستطيع منه إثارة الأمور على العثمانيين، فقد يضطرون إلى رفع الحصار عن العاصمة، ووضع جستنياني إحدى سفنه تحت تصرف الإمبراطور، ووعد بمساعدته على الخروج من عاصمته المحبوبة. وكان الغرض من هرب قسطنطين أن يجمع حوله شتات رعاياه، فربما استطاع الاتفاق مع إسكندر بك الألباني أو البابا، ولكن الإمبراطور أنصت لهذا النصح ساكنا، ثم أطرق مليا يفكر تفكيرا عميقا، ثم شكر أتباعه على النصيحة القيمة التي أسدوها وقال:
ربما يكون في خروجي من المدينة بعض الفائدة لي ... ولكنه من المستحيل أن أخرج، وكيف أترك معابد لله يذكر فيها اسم الله؟ وكيف أترك موالي الرب ورجال الدين والعرش والشعب في هذه المحنة العظيمة؟ ماذا يقوله العالم عني؟ إنني أرجوكم ألا تذكروا في المستقبل هذه الكلمة «اخرج»، وإنما قولوا لا تتركنا، ولن أترككم ما دمت حيا، فلقد عزمت عزما لا رجوع فيه على الموت معكم.
ثم بكى الإمبراطور وبكى معه البطريرك وكل الحاضرين.
في هذا الوقت تبدت شخصية هذا الإمبراطور العظيم وبطولته أمام أهوال ومحن تكل عن تحملها الجبال الرواسخ.
وفي 12 مايو قام الأتراك بهجومهم العنيف، وكانت الأسوار قد نالها عطب كبير، ولكن ذلك الهجوم لم يصب نجاحا كبيرا، وامتلأت الكنائس داخل المدينة بالمصلين الذين يدعون الله قياما وقعودا بإنقاذ المسيحية في بلائها العظيم.
ووجد السلطان محمد الثاني أن يركز الضرب في منطقة باب القديس رومانوس، وهاجم العثمانيون مرارا الأسوار على فم القرن الذهبي دون جدوى. وحاولوا حفر سراديب تحت الأسوار ونجحوا في ذلك إلى حد ما، ولكن الإغريق نجحوا في القضاء على ذلك المشروع. ولكن محاولات الأتراك هذه أقضت مضاجع السكان، فكانوا يخشون كل ليلة دخول الأتراك المدينة فجأة بهذه الوسيلة، وتصوروا سراديب خيالية نجح الأتراك في إنشائها.
ولقد لجأ السلطان إلى بناء حصن متحرك سريع أمام الأسوار مما أدخل الرعب في قلوب المحاصرين، وأنشأه بطريقة بحيث لا يمسك به اللهب، ويصيب كل آلات الرمي والضرب في المدينة؛ مما جعل الدفاع في خطر شديد، فلقد تحطمت أربعة أبراج وامتلأ الخندق، وقام الأتراك بهجوم عظيم في ناحية باب القديس رومانوس، ولكنهم اضطروا إلى الانسحاب مرة أخرى أمام دفاع البيزنطيين اليائس؛ وبذا نجت المدينة، واحترق حصن الأتراك المتحرك بأكمله مما زاد في فرح الإغريق، فعادوا يشكرون العذراء على إنقاذها لهم.
Shafi da ba'a sani ba