158
فكنت وعزمي في الظلام وصارمي ... ثلاثة أشياء كما اجتمع البشر
وبشرت آمالي بملك هو الورى ... ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر
وألم المتنبي ببعض هذا المعنى في قوله
هي الغرض الأقصى ورويتك المنى ... ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق
ومنه أخذ أبو محمد عبد الحكم بن إبراهيم العراقي الخطيب حيث قال مخاطبًا بعض الوزراء
فلأي باب غير بابك أقرع ... وبأي جود غير جودك أطمع
سدت على مسالكي ومذاهبي ... إلا إليك فدلني ما أصنع
فكأنما الأبواب بابك وحده ... وكأنما أنت الخلائق أجمع
رجع وقرأت بخط الأديب أحمد بن عبد الله المذكور ما نصه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى العثماني الديباجي من أولاد محمد بن الديباج سمع الحديث وتفقه وكان عالمًا بمذهب الأشعري قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي سمعته يعظ بجامع القصر ببغداد وهو ينشد
دع جفوني يحق لي أن تبوحا ... لم تدع لي الذنوب قلبًا صحيحًا
أخلقت بهجتي أكف المعاصي ... ونعاني المشيب نعيًا فصيحا
كلما قلت قد بري جرح قلبي ... عاد قلبي من الذنوب جريحا
إنما الفوز والنعيم لعبد ... جاء في الحشر آمنًا مستريحا
قال كاتب أصله الفقير أحمد بن عبد الله البري الحنفي لطف الله بنا وبه مخمسًا لها بين المصراعين ليلة الاثنين سادس عشر جمادي الآخرة سنة تسع وستين وألف قوله
دع جفوني يحق لي أن تبوحا ... يا نصوحي فقد عصيت النصوحا
لا تلمني فالحال زاد وضوحا ... إن عندي لمتن قلبي شروحا
لم تدع لي الذنوب قلبًا صحيحًا
أخلقت بهجتي أكف المعاصي ... يا لقومي ولات حين خلاص
كيف أصبو من بعد شيب النواصي ... والليالي قد شمرت لاقتناصي
ونعاني المشيب نعيًا فصيحا
كلما قلت قد بري جرح قلبي ... وترجيت أن أعود لربي
كبلتني أفعال سوء بذنبي ... فإذا كدت أن أتوب وحسبي
عاد قلبي من الذنوب جريحا
إنما الفوز والنعيم لعبد ... تائب أيب مجيد مجد
خاشع ضارع منيب بقصد ... فهو إن روع الأنام يجهد
جاء في الحشر آمنًا مستريحا
وخمسها أيضًا في صبيحة تلك الليلة على الأصل فقال
يا خليلي خلياني وروحا ... واشهدا الدمع في الجفون صريحا
قلت للعاذل المعذب روحا ... دع جفوني يحق لي أن تبوحا
لم تدع لي الذنوب قلبًا صحيحًا
زاد همي وهمتي في انتقاص ... ويري القلب هول يوم القصاص
ويح نفسي ما حيلتي في خلاصي ... أخلقت بهجتي أكف المعاصي
ونعاني المشيب نعيًا فصيحًا
من مغيثي من فرط غم وكرب ... وقصور في حفظ بيت لربي
حرت والله أدركوني بطب ... كلما قلت قد بري جرح قلبي
عاد قلبي من الذنوب جريحا
يا إلهي امنن علي بجد ... وأمان من هول عرض وكدّ
ونعيم ألقاه في بطن لحد ... إنما الفوز والنعيم لعبد
جاء في الحشر أمنًا مستريحا
ولما امتدح القاضي تاج الدين المالكي أهل المدينة المشرفة في أيام اقامته بها بقوله
يا ساكني طيبة فخرًا فقد ... طابت فروع منك والأصول
واية الأنصار فيكم سرت ... كأنما المقصود منها الشمول
تصفون محض الود من جاكم ... فما عسى مادحكم أن يقول
فليهنكم ما قد خصصتم به ... فيا لها خصيصة لا تزول
جاورتم المختار خير الوري ... وفزتم في سوحه بالحلول
وسدتم الناس ولا بدع أن ... يسود كل الناس جار الرسول
فأجابه الخطيب بقوله
أعظم بأهل الركن من سادة ... في فرق العلياء جروا الذيول
جيران بيت الله من قدرهم ... تارفي درك مداه العقول
بمكة حلوا فحلوا بها ... جيد المعالي حلية لا تزول

1 / 158