وافترق الرجلان على أسوأ حال: وعاد ياسين إلى مكتبه. كانت الحجرة كبيرة، صفت بها المكاتب متقابلة على الجانبين، وغطت الجدران بالرفوف المكتظة بالملفات . وكان البعض مكبا على الأوراق والآخرون يتحادثون ويدخنون: على حين ذهب وجاء عدد من السعاة بالملفات. قال جار ياسين له: ستأخذ ابنتي البكالوريا هذا العام، وسألحقها بمعهد التربية فأرتاح من ناحيتها، لا مصروفات ولا تعب قلب في البحث عن وظيفة بعد التخرج.
فقال ياسين: خير ما تفعل ..
فسأله الرجل مجادلا: وماذا أعددت لكريمة؟ كم بلغت من العمر على فكرة؟
فابتسمت أسارير ياسين رغم انفعاله، وقال: في الحادية عشرة، وسوف تأخذ الابتدائية في الصيف القادم إن شاء الله (وهو يعد على أصابعه): نحن في نوفمبر فيبقى سبعة أشهر بالتمام والكمال .. - ما دامت تنجح في ابتدائي فستنجح في ثانوي، البنات أضمن اليوم من الصبيان ..
ثانوي؟ هذا ما تريده زنوبة. كلا إنه لا يطيق أن يرى ابنته تسير في الطريق ونهداها يهتزان، ثم المصروفات؟ .. - نحن لا نلحق بناتنا بالثانوي، ولماذا؟ أنها لن تتوظف!
فسأل ثالث: أهذا كلام يقال في عام 1938؟ - يقال في أسرتنا ولو في عام 2038!
فضحك رابع وهو يقول: قل إنك لا تستطيع أن تنفق عليها وعلى نفسك معا! قهوة العتبة وخمارة محمد علي، وحب البنات البكارى هد مني الحيل، هذه هي الحكاية ..
فضحك ياسين ثم قال: ربنا ساترها: ولكن كما قلت لك نحن لا نعلم البنت أكثر من الابتدائية ..
وتعالت سعلة من الركن القصي فيما يلي مدخل الحجرة، فالتفت ياسين إلى صاحبها، ثم وقف وكأنه تذكر أمرا هاما، فمضى إلى مكتبه حتى شعر الرجل به فرفع نحوه رأسه، فمال ياسين فوقه قائلا: وعدتني بالوصفة ..
فمد الرجل أذنه متسائلا: نعم؟ ..
Shafi da ba'a sani ba