ولما اطمأن إلى الأثر الطيب الذي أحدثه قوله استدرك قائلا: وأسأل عن مصير مقالة أرسلتها إلى المجلة منذ أسبوعين.
فابتسم الأستاذ عدلي كريم وهو يتساءل: اسم حضرتك؟ - أحمد إبراهيم شوكت.
فارتسمت على جبين الأستاذ تقطيبة التذكر ثم قال: إني أذكرك، أنت أول مشترك في مجلتي. نعم، وجئتني بثلاثة مشتركين، هه؟ إني أذكر اسم شوكت، وأظنني أرسلت لك خطاب شكر باسم المجلة؟
فقال أحمد في ارتياح ممتنا لهذا التذكر الجميل: جاءني كتاب من حضرتك اعتبرتني فيه «صديق المجلة الأول»! - هذا حق، إن مجلة الإنسان الجديد مجلة مبدأ ولا بد لها من أصدقاء مؤمنين كي تشق طريقها في زحمة مجلات الصور والاحتكار، فأنت صديق المجلة، أهلا وسهلا، ولكنك لم تشرفنا بالزيارة من قبل؟ - كلا، إني لم آخذ البكالوريا إلا في هذا الشهر.
فضحك الأستاذ عدلي كريم قائلا: أنت فاهم أن المجلة لا يزورها إلا الحاصل على البكالوريا؟!
فابتسم أحمد في ارتباك وقال: كلا طبعا، أعني أني كنت صغيرا.
فقال الأستاذ جادا: لا يليق بقارئ الإنسان الجديد أن يحسب العمر بالسنين، في بلادنا شيوخ قد جاوزوا الستين ولكنهم ما زالوا شبانا بعقولهم، وفيها شبان في ربيع العمر ولكنهم معمرون - منذ ألف عام أو أكثر - بعقولهم، وهذا هو داء الشرق .. (ثم بلهجة أرق): وهل أرسلت إلينا مقالات من قبل؟ - ثلاث مقالات كان مصيرها الإهمال، ثم مقالة أخيرة كنت أطمع في نشرها! - عن ماذا؟ لا تؤاخذني فإني أتلقى عشرات المقالات يوميا؟ - عن رأي لوبون في التعليم وتعليقي عليه! - على أي حال ستبحث عنها في السكرتارية - الحجرة المجاورة لحجرتي - وتعلم بمصيرها ..
وهم أحمد بالقيام ولكن الأستاذ عدلي أشار إليه بالاستمرار في الجلوس وهو يقول: المجلة اليوم في شبه إجازة، أرجو أن تمكث معي قليلا لنتحدث.
فتمتم أحمد بارتياح عميق: بكل سرور يا افندم. - قلت إنك أخذت البكالوريا هذا العام، كم سنك؟ - ستة عشر عاما. - سن مبكرة، حسن، هل المجلة منتشرة في المدارس الثانوية؟ - كلا للأسف .. - أعلم هذا، أكثرية قرائنا في الجامعة، القراءة في مصر ملهاة رخيصة، ولن نتطور حتى نؤمن بأن القراءة ضرورة حيوية.
ثم بعد قليل من الصمت: وما حال التلاميذ؟
Shafi da ba'a sani ba