عبد المنعم بصوته القوي العميق: فلنوطن النفس على جهاد طويل، إن دعوتنا ليست موجهة إلى مصر وحدها، ولكن إلى كافة المسلمين في الأرض، ولن يتحقق لها النجاح حتى تجمع مصر والأمم الاسلامية على هذه المبادئ القرآنية، فلن نغمد السلاح حتى نرى القرآن دستورا للمسلمين أجمعين ...
الشيخ علي المنوفي: أبشركم بأن دعوتنا تنتشر بفضل الله في كل بيئة، لها اليوم مركز في كل قرية، إنها دعوة الله، والله لا يخذل قوما ينصرونه ...
وفي نفس الوقت، كان يستعر نشاط آخر في الدور التحتاني وإن اختلف الهدف. ولم يكن وفير العدد كهذا، فان أحمد وسوسن كانا يجتمعان في كثير من الليالي بعدد محدود من الأصدقاء مختلفي النحل والملل، أكثرهم من البيئة الصحفية. وقد زارهم الأستاذ عدلي كريم ذات مساء، وكان على علم بما يدور بينهم من مناقشات نظرية. فقال لهم: حسن أن تدرسوا الماركسية، ولكن تذكروا أنها وإن تكن ضرورة تاريخية إلا أن حتميتها ليست من نوع حتمية الظاهرات الفلكية. إنها لن توجد إلا بإرادة البشر وجهادهم، فواجبنا الأول ليس في أن نتفلسف كثيرا ولكن في أن نملأ وعي الطبقة الكادحة بمعنى الدور التاريخي الذي عليها أن تلعبه لإنقاذ نفسها والعالم جميعا ...
أحمد: إننا نترجم الكتب القيمة عن هذه الفلسفة الخاصة من المثقفين، ونلقي المحاضرات الحماسية على العمال المجاهدين، وكلا العملين واجب لا غنى عنه ...
فقال الأستاذ: ولكن المجتمع الفاسد لن يتطور إلا باليد العاملة، وحين يمتلئ وعيها بالإيمان الجديد، ويمسي الشعب كله كتلة واحدة من الإرادة، فهنالك لن تقف في سبيلنا القوانين الهمجية ولا المدافع ... - كلنا مؤمنون بذلك، غير أن كسب العقول المثقفة يعني السيطرة على الفئة المرشحة للتوجيه والحكم ...
وإذا بأحمد يقول: سيدي الأستاذ، ثمة ملاحظة أود إبداءها، عرفت بالتجربة أنه ليس من العسير إقناع المثقفين بأن الدين خرافة وأن الغيبيات تخدير وتضليل، ولكن من الخطورة بمكان مخاطبة الشعب بهذه الآراء، وأن أكبر تهمة يستغلها أعداؤنا هي رمي حركتنا بالإلحاد أو الكفر ...؟ - إن مهمتنا الأولى أن نحارب روح القناعة والخمول والاستسلام، أما الدين فلن يتأتى القضاء عليه إلا في ظل الحكم الحر، ولن يتحقق هذا الحكم إلا بالانقلاب، وعلى العموم فالفقر أقوى من الإيمان، ومن الحكمة دائما أن تخاطب الناس على قدر عقولهم ...
ونظر الأستاذ إلى سوسن باسما وهو يقول: كنت تؤمنين بالعمل فهل بت تقنعين بالنقاش في ظل الزواج؟ ...
وكانت تدرك أنه يداعبها وأنه لا يعني ما يقول، ومع ذلك فقد قالت جادة: إن زوجي يحاضر العمال في الخرابات النائية، وأنا لا أني أوزع المنشورات بنفسي ...
ثم قال أحمد مغتما: إن عيب حركتنا أنها تجذب إليها كثيرين من النفعيين غير المخلصين، من هؤلاء من يعمل بغية الأجر أو من يعمل للمصلحة الحزبية!
فقال الأستاذ عدلي كريم وهو يهز رأسه الكبير في استهانة واضحة: أعلم هذا حق العلم، ولكني أعلم أيضا أن الأمويين قد ورثوا الإسلام وهم لا يؤمنون به ومع ذلك فهم الذين نشروه في بقاع العالم القديم حتى إسبانيا! فمن حقنا أن نستفيد من هؤلاء، علينا أن نحذرهم في الوقت نفسه، ولا تنسوا أن الزمن معنا على شرط أن نبذل ما في وسعنا من جهد وتضحية ... - والإخوان يا أستاذ! لقد بتنا نشعر بأنهم عقبة خطيرة في سبيلنا. - لا أنكر هذا، ولكنهم ليسوا بالخطورة التي تتخيلها، ألا ترى أنهم يخاطبون العقول بلغتنا فيقولون اشتراكية الإسلام؟ فحتى الرجعيون لم يجدوا بدا من استعارة اصطلاحاتنا، وهم لو سبقونا إلى الانقلاب فسوف يحققون بعض مبادئنا ولو تحقيقا جزئيا. ولكنهم لن يوقفوا حركة الزمن المتقدمة إلى هدفها المحتوم، ثم إن نشر العلم كفيل بطردهم كما يطرد النور الخفافيش! •••
Shafi da ba'a sani ba