وبدا الظفر في وجه أحمد فردد رأسه الرشيق بين أخيه وأبيه غير أن كمال عاد يقول: ولكن ينبغي أن تعلم أن الحقوق تفتح لك مجالا من الحياة العملية الممتازة لا تستطيعه الآداب. سيكون مستقبلك إذا اخترت الآداب في التعليم، وهو مهنة شاقة ولا جاه لها .. - بل سأتجه إلى العمل في الصحافة. - الصحافة! .. (صاح إبراهيم شوكت) إنه لا يدري ماذا يقول.
فقال أحمد مخاطبا كمال: إن قيادة الفكر وقيادة عربة كارو شيء واحد في أسرتنا!
فقال رضوان ياسين باسما: إن أكبر قادة الفكر في وطننا من الحقوق ..
فقال أحمد في كبرياء: إن الفكر الذي أعنيه شيء آخر؟
فقال عبد المنعم شوكت عابسا: وهو شيء مخيف هدام، إني أعلم وا أسفاه بما تعني ..
وعاد إبراهيم شوكت يقول لأحمد وهو ينظر إلى الآخرين كأنما يشهدهم على ما يقول: فكر قبل أن تقدم، إنك ما زلت في السنة الرابعة، لن يعدو ميراثك المائة جنيه في العام، وإن بعض أصحابي يشكون مر الشكوى من أن أبناءهم الجامعيين لا يجدون عملا، أو يعملون كتبة بمرتبات تافهة، وأنت حر بعد ذلك فيما تختار ..
وتدخل ياسين في المناقشة بأن اقترح قائلا: لنسمع رأي خديجة، إنها المدرسة الأولى لأحمد، وهي أقدرنا على الاختيار بين الحقوق والآداب ..
وامتلأت الثغور بالابتسام، حتى أمينة ابتسمت وهي عاكفة على كنجة القهوة، بل حتى عائشة ابتسمت، فتشجعت خديجة بابتسامة عائشة فقالت: سأقص عليكم قصة طريفة. أمس بعد العصر بقليل - والدنيا تظلم بسرعة في الشتاء كما تعرفون - كنت راجعة من الدرب الأحمر إلى السكرية، فشعرت كأن رجلا يتبعني، وإذا به يمر بي تحت قبة المتولي وهو يقول: «على فين يا جميل»، فالتفت نحوه قائلة: «على البيت يا سي ياسين!»
وضجت الصالة بالضحك. ونظرت إليه زنوبة نظرة ذات معنى تجلى فيها الانتقاد واليأس، أما ياسين فجعل يشير للضاحكين بيده حتى عاد السكون، ثم تساءل: أمن المعقول أن يصيبني العمى إلى هذا الحد؟
فحذره إبراهيم شوكت قائلا: حاسب!
Shafi da ba'a sani ba