Zababbun Shafukan Waƙoƙi
صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان
Nau'ikan
كانت حياة أيسكولوس خصبة كثيرة الغنى، فقد روى مؤرخوه أنه انتصر في المسابقة التمثيلية ثلاث عشرة مرة. فإذا لاحظنا أن الشاعر الممثل كان يجب عليه أن يقدم للامتحان ثلاث قصص تراجيدية وقصة ستيرية عرفنا أن الجمهور قد أعجب من آثار أيسكولوس باثنتين وخمسين قصة وليس هذا بالشيء القليل.
على أن حياة أيسكولوس لم تخل من فشل أحزنه ونغص عليه ما كان يجنيه من فوز، فقد ظهر له في آخر أمده خصم شاب سابقه فسبقه سنة ثمان وستين وأربعمائة وهو سوفوكليس. ثم لم يلبث أيسكولوس أن انتصر سنة سبع وستين وأربعمائة وكان آخر ظفره الفني سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ثم ارتحل بعد ذلك إلى صقلية فمات فيها سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وقد اختلف الرواة في سبب رحلته إلى صقلية فزعم بعضهم أنه حنق على سوفوكليس ولم يستطع صبرا على تفوقه وزعم الآخرون أن الشعب قضى عليه بالنفي لأنه أفشى أسرار الآلهة.
كلتا الروايتين يمكن أن تكون صحيحة. ولكن التاريخ لا يؤيد واحدة منهما. بل نحن نعلم أن أيسكولوس قد سابق خصمه فسبقه أكثر من مرة، وأنه إنما سافر من أثينا سفرته الأخيرة «لأنه ارتحل إلى صقلية مرتين» بعد أن انتصر سنة ثمان وخمسين. ولو أن الشعب كان قد قضى عليه بالنفي لحفظ لنا التاريخ الصحيح شيئا من قضيته. وليس أيسكولوس بالرجل الذي ينسى ما كان بينه وبين الشعب من صلة. ونحن نرجح مع الباحثين المحدثين أنه إنما ارتحل إلى صقلية مجيبا لدعوة هيرون طاغية سوراكوزا
1
الذي كان يدعو إلى قصره نوابغ اليونان في كل فن، ليزين بهم قصره ومدينته.
2
لم يبتدع أيسكولوس فن التمثيل ولم يخترع التراجيديا. ولكنه أعطاها شكلها الحقيقي وصورتها الأخيرة. ورسم لها الطريق التي لم يكن بد من أن تسلكها لتبلغ ما قدر لها من الكمال. وسلك بها معظم هذه الطريق. فصح أن يسمى أبا التراجيديا، كما سمي هردوت أبا التاريخ.
لم تكن التراجيديا قبله إلا نوعا من الغناء تقوم به الجوقة أو الممثل الذي أضافه تسبيس أو كلاهما. فلم يكتف أيسكولوس بهذا الغناء يصحبه شيء من القصص. بل أضاف إليهما شيئا من الحركة. فأصبحت التراجيديا بذلك حقيقة هي أقرب إلى ما يحدث بين أيدي الناس منها إلى التاريخ والأساطير. وقد استلزم هذا الجزء الثالث أن يتعدد الممثل فأصبح اثنين ثم ثلاثة كما قدمنا، وأن يرتقي تدبير المنظر وتنظيمه بحيث يستطيع أن يعاون الممثلين على أن يحاكوا الحقيقة ويخيلوها إلى الناس، فأقدم أيسكولوس على ذلك غير متردد ولا هياب، ثم لم يكد يقدم حتى أمده خياله وقدرته على الإبداع والابتكار بما جعل دار التمثيل من الرقي الآلي بحيث استطاعت أن تسع ما كتب هو وكتب غيره من القصص التمثيلية.
أضف إلى هذا ما قدمنا من عنايته بلباس الممثلين وأحذيتهم وقلانسهم ونقبهم مما صبغ التراجيديا صبغتها المعروفة، وكان مصدر الرقي هذا القسم المادي من أقسام التمثيل. فأما الوجهة الأدبية خاصة فليس من شك في أن أيسكولوس هو الذي بلغ بها من الرقي إلى ما نعلم، وأن خصمه سوفوكليس ومن بعده أوربيديس إنما سلكا سبيله واقتفيا أثره، وكانا له مقلدين، وإن امتاز كل منهما بميزته الخاصة التي سنراها في هذا الجزء وفي الذي يليه.
حاول أيسكولوس أن يمثل بين أيدي الناس صورة من صور الحياة الإنسانية لم يكد يتجاوزها إلى غيرها، وهي هذه الصورة التي يظهر فيها الإنسان متنازعا بين إرادته وبين إرادة أخرى أشد منها قوة وأعظم بأسا وأضخم سلطانا، وهي إرادة الآلهة أو إرادة القضاء إن صحت هذه العبارة.
Shafi da ba'a sani ba