Sufiyya: Nash'ata da Tarihinta
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Nau'ikan
82
سيكون من الغباء التاريخي اتباع تأويل أخلاقي قديم يقارن بين فترة مبكرة «صحية»، كان فيها أتباع الصوفيين في بغداد أشبه بطلاب يحضرون دروس الأساتذة، وبين فترة لاحقة «فاسدة» من اتباع الخرافة وتقديس الشيوخ. فأي تناقض صارخ بين «شيخ التعليم» و«شيخ التربية» هو على الأرجح تبسيط للأمور، على الرغم من وجود قدر قليل من الشك في تزايد قوة العلاقة بين الشيخ والمريد.
83
أصبح هذا الارتباط بين المريد والشيخ مصحوبا في ذلك الوقت بيمين مغلظة، أو ما يعرف ب «البيعة»، على غرار تعهدات الولاء الرسمية التي قدمها المسلمون الأوائل إلى النبي محمد. وكما سنرى فيما يلي عندما نتناول الأشكال الأكثر مادية المتمثلة في الجانب المؤسسي؛ فقد كان نموذج «التتلمذ» الجديد يتضمن، بالنسبة إلى كثير من المريدين، التخلي عن حياتهم الأسرية من أجل فترة يحددها الشيخ كي يعيشوا في مأوى صوفي، ويتضمن أيضا قص الشعر، وارتداء ملابس معينة تميزهم كصوفيين.
84
باختصار، لقد دخلنا مرحلة أصبح من الأجدى فيها تقديم الصوفيين باعتبارهم حركة جماعية مميزة داخل المجتمع، يميز أفرادها أنفسهم عن غيرهم، وبعضهم عن بعض، بطقوس الالتحاق، وعهود البيعة، والمظهر الخارجي، واستخدام لغة غامضة. ومن الناحية الاجتماعية والنفسية، بحلول القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر أصبح تحول المرء إلى الصوفية تجربة شاملة إلى حد كبير.
عندما أصبحت الصوفية تعني أمورا لم تكن تعنيها قبل تحولها في خراسان، صارت المتطلبات الرسمية على نحو متزايد المتعلقة بكل من الالتحاق بطريقة والعضوية في حركة؛ يعبر عنها في نوعين جديدين من أنواع الكتب ظهرا بنحو أساسي في خراسان أثناء القرنين الحادي عشر والثاني عشر. تمثل هذان النوعان في الكتيبات وكتب الطبقات، وهما نوعان أدبيان متداخلان كثيرا من الناحية العملية. أشهر الأمثلة المبكرة على الكتيبات هي «كتاب اللمع في التصوف» لأبي نصر السراج (المتوفى عام 988)، و«التعرف لمذهب أهل التصوف» لأبي بكر الكلاباذي (المتوفى عام 990 أو عام 995). ومن الأمثلة الأخرى للكتيبات التي أنتجت في القرن التالي كتاب «الرسالة القشيرية في علم التصوف» لأبي القاسم القشيري (المتوفى عام 1074)، وكتاب «كشف المحجوب» لعلي بن عثمان الهجويري (المتوفى تقريبا عام 1075).
85
كل هذه الكتيبات كتبها مؤلفون في خراسان أو من خراسان. ونظرا لأن أوضح السمات المشتركة لهذه الكتيبات كانت شرعية الصوفيين المؤكدة من خلال التركيز على موافقة معتقداتهم وممارساتهم للقرآن والسنة؛ فقد كان من المألوف وصفها بالأعمال «الدفاعية»، التي كان أكبر إنجازاتها إقناع حراس العقيدة الإسلامية الحنيفة بأن الصوفيين ليسوا زنادقة. أصبح هذا الدفاع ينظر إليه على أنه أكثر إلحاحا بعد إعدام الحلاج عام 922. إلا أن وجهة النظر تلك خاطئة على الأرجح؛ لأن الصوفيين أنفسهم كانوا في أغلب الأحيان هم علماء الحديث والمدافعين عن الشريعة. لكن بالرغم من ذلك، فإن هذه الكتب الجديدة وأغراضها المميزة تحتاج إلى تفسير. في هذا الصدد، تتأكد قيمة معرفتنا السياقية بالحركات المنافسة والإنتاج الديني الوافر، خاصة عندما يتضافر ذلك مع حداثة عهد الصوفيين في خراسان وعدم معرفة الناس بهم في القرن العاشر على الأقل مقارنة بالكرامية والملامتية الأكثر شيوعا والأكثر رسوخا. وبسبب ما قدمته تلك الكتيبات من خطاب مدافع، وشروح وافرة للمعتقد الصوفي، وتفسيرات مفصلة للممارسة؛ فمن الأفضل على الأرجح اعتبارها إعلانات وبيانات عامة موجهة إلى علماء المسلمين في خراسان، الذين كانوا لا يعرفون الوافدين الجدد الصوفيين، ويتوخون الحذر منهم أيضا.
ربما شجعت نية الدعوة تلك على حدوث تطور مهم آخر في نقل الصوفية، نشهده في آخر الكتيبات التي ذكرناها سالفا، وهذا التطور هو استخدام الهجويري الفارسية بدلا من العربية في كتابه «كشف المحجوب». بالإضافة إلى ذلك، فإن علاقة الصوفيين بحركة الحرفيين الحضريين المغمورة المسماة حركة «الفتوة»، من الممكن اعتبارها استراتيجية ذات صلة معنية باستيعاب المنافسين في المنطقة، لعب فيها إنتاج النصوص دور «تغيير المظهر» الذي يشبه الدور الذي رأيناه في حالة «كتاب الفتوة» الذي كتبه السلمي الصوفي النيسابوري.
Shafi da ba'a sani ba