Sufiyya: Nash'ata da Tarihinta
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Nau'ikan
كانت نيسابور من أكبر المدن التجارية والواحية، فيما يعرف الآن بالركن الشمالي الشرقي من إيران، ومع ضعف سيطرة الخلافة في بغداد عليها وسقوطها في يد البويهيين الشيعة عام 945، تزايدت أهميتها باعتبارها مركزا للإنتاج الأخلاقي والديني. وعلى غرار عاصمة الخلافة في أوج مجدها، فقد كان هذا المتجر الصحراوي الكبير سوقا وجد فيها منتجو وموردو النماذج المختلفة للإسلام أنفسهم في منافسة بعضهم بعضا منافسة شرسة.
من العمليات الواسعة النطاق التي يمكن الزعم بحدوثها في هذا الصدد عملية استبدال حركات الدمج الداخلي، بما يمكن أن يطلق عليه: حركات التوسع الحدودي. وكما رأينا، فقد كان من أهم سمات حركة الكرامية الدور الذي لعبته في دخول الرعايا غير المسلمين المعروفين باسم «الذميين» إلى الإسلام. إن زيادة الفهم التاريخي للحدود الشرقية لخراسان في القرنين التاسع والعاشر أشارت أيضا إلى دور شيوخ الحدود المحاربين، الذين جمعوا بين «الجهاد» و«الدعوة» لتوسيع الحكم الإسلامي عبر أراضي السهوب في آسيا الوسطى، التي كان يحتلها البدو الأتراك في ذلك الوقت.
75
وبطرق ما، تعكس تلك الصورة للحدود الشرقية ما رأيناه بالفعل في الغرب؛ حيث استقر على الأقل بعض الزهاد في الحدود المضطربة مع الأراضي البيزنطية. ومع اتجاه الحدود الخارجية إلى أقصى الشرق، وتلاشي الحدود الاجتماعية الداخلية، مع زيادة التحول إلى الإسلام وتبني سماته الثقافية؛ انفتح المجال في النسيج الاجتماعي أمام حركات دمج جديدة مهتمة بإضفاء قدر أكبر من الطابع الإسلامي على المجتمع، من خلال «استيطان دائم» يؤكد على القانون والإنتاج الاقتصادي والحياة الاجتماعية القابلة للاستمرار، التي لم تعد مناسبة لها حركة زهاد الكرامية ولا مجاهدي الحدود. وعلى الرغم من أن الحدود الدقيقة لتلك العمليات الريفية الأكبر تظل غير واضحة، فإن الطابع الأكمل للمصادر الحضرية يعني أن لدينا صورة أوضح عن التطورات التي حدثت في مدن مثل نيسابور. في هذا الصدد، سننظر إلى عمليتين منفصلتين لكن متداخلتين، إحداهما خطابية والأخرى مؤسسية. ونظرا لأننا ناقشنا بالفعل الطرق التي من خلالها ساعدت النصوص والجدالات في ازدهار الصوفيين في العراق، فإننا سوف نلتفت أولا إلى المسألة الخطابية المتمثلة في كيف ساعدت الكتب والمناقشات في توسع الصوفية على نحو مشابه في خراسان.
كما رأينا، فإن كثيرا من النصوص والمصطلحات، وحتى الأساليب، التي كانت مستخدمة من قبل الحركات «المحلية» في خراسان؛ كانت متشابهة في كثير من الأمور مع تلك المستخدمة من قبل الصوفيين في العراق؛ فقد كان القرآن والحديث مصدرين مشتركين لهما، وكان يوجد انتشار واسع لمفهومي «الأولياء» و«الطريقة»، وكانت الصلاة وإنشاد الذكر والسماع - بالنسبة إلى البعض - من الممارسات المشتركة. ليست المسألة اشتراك كل السالكين الخراسانيين المحليين في كل هذه الأمور المشتركة، ولا حتى اتفاقهم على المعنى الدقيق للمصطلحات المشتركة أو الأداء الصحيح للأساليب المشتركة، بل تمثلت المسألة المهمة في الوضوح المتبادل للأساليب المتنوعة المتاحة؛ ذلك الوضوح الذي أتاح المناقشات والتفاعلات المثمرة بين أعضاء الحركات المختلفة، والأهم على الأرجح بين «المؤيدين المذبذبين» من أعضائها المحتملين. وعلى مستوى أكثر أساسية، مكن هذا الوضوح وجود أدوات تواصل مشتركة - بما في ذلك اللغة العربية باعتبارها لغة تواصل بين المتعلمين - وتوفر الورق لإنتاج الكتب وحتى لكتابة الخطابات. وعلى الرغم من المسافة الشاسعة بين العراق وكثير من مدن خراسان (فالمسافة من بغداد إلى نيسابور تقريبا هي المسافة بين لندن ووارسو)، مكنت أدوات التواصل تلك المتعلمين من هذه المناطق المختلفة للغاية من مشاركة الأفكار على نحو غير مباشر عن طريق الكتابة. وكما هو الحال بالنسبة إلى دور اللاتينية في العالم المسيحي في العصور الوسطى، فلا بد أن نتوخى الحذر كيلا نعتبر أدوات التواصل المشتركة تلك من المسلمات؛ فعندما سعى الصوفيون لاحقا إلى التوسع في سياقات جغرافية واجتماعية أخرى، احتاجوا إلى اكتساب أدوات ثقافية أخرى مثل اللغات المحلية والأغاني الشعبية. أما في سياق التفاعل الحالي بين سكان المدن في خراسان والعراق، فإننا نلقي النظر على العملية التي من خلالها سافر الصوفيون العراقيون أو أرسلوا كتاباتهم شرقا، وسافر «المؤيدون المذبذبون» الخراسانيون للحركات الصوفية غربا (عادة في طريقهم إلى مكة)، وعادوا إلى وطنهم حاملين في الحالتين ما يمكن أن نطلق عليه الآن وسائل تواصل محمولة في أمتعتهم، متمثلة في الكتب التي أحضروها من أسفارهم (أو على الأرجح نسخوها).
76
إذا كان هذا يساعدنا على معرفة كيف تفاعلت الحركة الصوفية الأصلية مع الحركات المحلية البديلة لها في خراسان، فإن التعرف على سبب تفضيلها في نهاية المطاف على تلك الحركات المحلية أمر أكثر صعوبة. إن السبب في ذلك ليس أننا نتعامل في النهاية مع الكثير من الاختيارات الفردية، التي على الرغم من أنها تسهم في رسم نسق تفضيل شامل، فإن أسبابها المحددة جعلت دوافعها في طي النسيان منذ وقت بعيد. ونظرا لأن دوافع الأفراد من المعروف أنها صعبة التقييم على المؤرخين، فإن الدليل المقدم على دمج الملامتية والكرامية في الصوفية دليل على العداوات والتحالفات الأكثر عمومية. تقول إحدى النظريات الأكثر إقناعا على الأرجح إن الصوفيين في نيسابور والمدن المحيطة ربطوا أنفسهم بالفقه الشافعي، وهذا منحهم «إطارا مؤسسيا يمكن من خلاله تقديم التصوف وممارسته.»
77
إلا أننا قبل الانتقال إلى الأبعاد «المادية» المتمثلة في المؤسسات، دعونا أولا نتناول الأبعاد «المعنوية» أو الخطابية.
كما رأينا، فمنذ فترة ظهور الصوفيين المبكر في بغداد، كانوا إلى حد كبير جزءا من حلقات القرآن والحديث والشريعة؛ ولهذا السبب، يجب أن نحذر من التأويلات الأقدم التي رأت التطورات التي ندرسها الآن باعتبارها عملية شهدت في النهاية التحاق الصوفيين ب «التيار السائد»؛ إذ يعتمد هذا التأويل على مغالطة ثنائية تتمثل أولا في أن الصوفيين كانوا خارج «التيار السائد»، وأنه كان يوجد «تيار سائد» معين يتدفق بالتساوي عبر أماكن مختلفة خلال القرون السابقة.
Shafi da ba'a sani ba