Sufiyya: Nash'ata da Tarihinta
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Nau'ikan
ولما كانت الطباعة تمثل تحولا في وسائل نقل المعرفة الصوفية من الأنماط القديمة المتمثلة في التلقين والتداول المحكوم للمخطوطات، فإن طباعة هذا الكتاب تشير إلى التفاعل المعقد بين الصوفيين المناهضين للاستعمار، والفرص الجديدة التي أتاحها الحكم الاستعماري للجماعات الدينية. ونظرا لأن معظم الكتاب كان مخصصا لمهاجمة البدع الآثمة للصوفيين الأكثر شهرة من منافسي بريلوي، فقد كانت توجد مفارقة معينة في الاستخدام الاستراتيجي للتقنية الجديدة التي اعتبرها علماء مسلمون آخرون بدعة في حد ذاتها. وعلى الرغم من سعادة بريلوي باقتباس تقنية الطباعة هذه، فإن الموقف الذي اتخذه تجاه التوسع البريطاني (وظهور مملكة رانجيت سينج السيخية في البنجاب)، كان موقف مواجهة وليس موقف مواءمة. وعلى غرار دول «الجهاد» الأخرى التي سنشهد فيما يلي تكونها في الوقت نفسه على حدود الحكم الفرنسي والحكم الروسي، فإن بريلوي في منتصف عشرينيات القرن التاسع عشر وطد أقدامه على حدود سلطة الدولة الاستعمارية في الأطراف الشمالية الغربية من شبه القارة الهندية، ومن هناك شن حربا على المملكة السيخية، وكان هدفه النهائي الوصول إلى الأراضي البريطانية التي كانت تضم حينها دلهي العاصمة القديمة للمغول . مني هذا الجهاد بالفشل، وفي عام 1831 استشهد بريلوي في معركة ضد قوات رانجيت سينج. وعلى الرغم من ذلك، اعتقد أتباعه أنه لم يمت بل انسحب إلى أحد الكهوف التي سيعاود الظهور منها سريعا في صورة «المهدي المنتظر»، الذي يدل على نهاية العالم. ونجد أن تحولات بريلوي في حياته وفي مماته من صوفي نقشبندي إلى مؤسس الطريقة المحمدية ومحارب مجاهد، وإلى مهدي منتظر في نهاية المطاف، تظهر الاتجاهات الجديدة التي يمكن أن يتوجه إليها التقليد الصوفي على أطراف التوسع الاستعماري.
وعلى مدار العقود التالية، وجدت روح مقاومة حكم «الكفار» للمسلمين - التي أوجدها بريلوي - العديد من المنافذ الأخرى لها (وإن كانت هامشية على نحو متزايد) في الهند، وعلى الرغم من أن الانتفاضة الهندية الكبرى عام 1857 ضمت نطاقا من المشاركين الهندوس والمسلمين، أصحاب الأهداف المختلفة للغاية، فقد كان من بينهم أيضا مشاركون صوفيون. وفي حين أن المعلومات المتعلقة بحجم اشتراك الصوفيين في هذه الانتفاضة فقدت في خضم الحرب والدعاية، فإن أبرز الصوفيين المؤكد أنهم شاركوا في القتال في هذه الانتفاضة كان الشيخ الجشتي الحاج إمداد الله (المتوفى عام 1899)، الذي لجأ إلى مكة بعد فشل الانتفاضة على غرار عدد من المتمردين الآخرين، وفي المنفى كتب رسائل بالفارسية عن التأمل الصوفي مثل «ضياء القلوب». وفي إشارة إلى تحول المقاومة إلى الداخل نحو المساحة الشخصية المتمثلة في الجسد المسلم، كتب إمداد الله قصائد بالأردية تمدح «الجهاد الداخلي» ضد جسد وروح المرء.
13
وفي الهند نفسها، نجد أن الكثير من الصوفيين البارزين المرتبطين بشاه ولي الله والحاج إمداد الله والنقشبنديين الدهلويين، الذين رأيناهم يؤسسون الطريقة المحمدية في الفصل الثالث، تبنوا استراتيجية التجنب بدلا من التعاون. لحق بعضهم بالحاج إمداد الله في مكة، أو انتقلوا إلى الولايات الأميرية الهندية الإسلامية الحكم؛ مثل ولاية حيدر أباد، وكون البعض الآخر نظريات تفصل الشريعة (ومن ثم، حياة المسلم في العموم) عن كل ما يتعلق بالدولة الاستعمارية، وذهب البعض إلى حد بعيد تمثل في منع أتباعهم من ارتداء القبعات والأحذية ذات العنق الطويلة البريطانية الطراز.
14
وفي حالة شبكة المدارس الديوبندية في جنوب آسيا، التي تطورت تدريجيا عن المدرسة التي أسسها أتباع المصلح الصوفي المناهض للاستعمار الحاج إمداد الله عام 1867، حذفت الأصول والانتماءات الصوفية لمؤسسي المدارس تدريجيا من تاريخها؛ كنوع من الهجوم على جوانب الاحتفالات الشعبية والجوانب القائمة على الأضرحة من التقليد الصوفي، والذي قد تطور تدريجيا ليصبح هجوما على الصوفية ككل.
15
وإذا كان التجنب أكثر جدوى من التمرد في بلدات السهول، ففي الأطراف الجبلية لشبه القارة الهندية، تمكن الشيخ الصوفي عبد الغفور (المتوفى عام 1877) من مقاومة التوسع البريطاني لمدة أربعين سنة تقريبا في الأراضي التي تمكن من تحويلها إلى إقطاعية صوفية خاصة به في سوات. وفي وقت متأخر في ثلاثينيات القرن العشرين، قاد الصوفي الجذاب «فقير إيبي» تمردا ضد قبائل وزيرستان على حدود الهند البريطانية مع أفغانستان،
16
أما في المنطقة الهندية الوسطى المسيطر عليها أكثر من قبل الاستعمار البريطاني، فلم توجد أي مقاومة صوفية بارزة معتمدة على العنف بعد عام 1858، وبدلا من ذلك سار الصوفيون الهنود على خطى الحاج إمداد الله في مكة، فأحكموا سيطرتهم على النطاق الخاص المتمثل في أجساد مريديهم وعقولهم.
Shafi da ba'a sani ba