Sufiyya: Nash'ata da Tarihinta
الصوفية: نشأتها وتاريخها
Nau'ikan
أسس فرع مستقل آخر من الطريقة القادرية في هذا الوقت تقريبا على يد إدريس بن محمد الأرباب (المتوفى عام 1650)، الذي نجح في جذب نخب سلطنة الفونج، وعمل أيضا مثل بقية الصوفيين في هذه الفترة كوسيط دبلوماسي، في هذه الحالة في الخلافات بين الفونج وأعدائهم.
173
وفي إطار نشر عملية التقديس في أفريقيا، شيد ضريح على قبر إدريس في مدينة العيلفون جنوب الخرطوم حاليا في السودان، وتحولت المدينة إلى مركز زيارة يقصده سكان المنطقة المتأثرون نسبيا بالإسلام. ومن خلال خلط زيارة الأضرحة والزراعة والتعليم معا، أصبح صوفيون آخرون أمثال حسن ولد حسونة (المتوفى عام 1665) - الذي هاجر جده عبر الصحراء الكبرى مما يعرف حاليا بتونس - مؤسسين للقرى. وعلى مدار فترة تقدر بعدة أجيال، أصبحت هذه القرى الواقعة في قلب أفريقيا عوالم إسلام صوفية صغيرة، يجمع سكانها المترابطين السلف المشترك، المتمثل في الشيخ الصوفي وأتباعه الأوائل.
ومع توسع فروع الطرق المستقلة هذه عبر القرن الثامن عشر، نجد في بعض الحالات أن العضوية فيها كانت تقوم على معيار العرقية أو القرابة المشتركة. وفي حالات أخرى، أوجدت الطرق أنماط تآلف جديدة تجاوزت الحواجز العرقية. وفي كل الحالات، ربطت الطرق الأشخاص بالمجتمعات اعتمادا على رؤية مشتركة يحددها شيوخها. وكان كثير من هؤلاء القادة ينتمون إلى العائلات المقدسة نفسها؛ مما جعل الطرق آليات سيطرة تمكنت من خلالها عائلات أو جماعات عرقية معينة من تخليد مكانتها عبر الزمن. وفي أفريقيا الإسلامية كما في غيرها من الأماكن، كون هؤلاء القادة الصوفيون طبقة حاكمة اكتسبت الثراء من خلال الأراضي التي تمتلكها، والهدايا الممنوحة لها من الأتباع. وبهذه السبل، منح التقليد الصوفي شعوب الصحراء الكبرى مجموعة موارد قابلة للتعديل لتأسيس سلام اجتماعي، بداية من نماذج للسلطة والتنظيم، إلى الطقوس الجماعية الباعثة على الوحدة، وتقديس تراث تاريخي ربط المؤسسة الصوفية الأفريقية بمراكز حضرية مرموقة مثل القاهرة وبغداد ومكة.
شكل 3-6: هل هي صوفية قبلية؟ الصوفي الرحال في مقاطعات الإمبراطورية العثمانية أو الصفوية، تقريبا في القرن السابع عشر (بإذن مجلس المكتبة البريطانية).
وكما هو الحال في المناطق الأخرى في الفترة نفسها، أولى العديد من الصوفيين البارزين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أثناء القرن السابع عشر، والقرن الثامن عشر بصفة خاصة، اهتماما خاصا بالشريعة؛ ففي سلطنة الفونج في السودان، أدى اغتصاب نبلاء الهمج السلطة عام 1762 إلى أزمة شرعية حاول الهمج حلها من خلال سياسة الترويج للشريعة، وهذا بدوره تطلب منهم عرض مناصب في البلاط الملكي والبيروقراطية على الصوفيين، أو على غيرهم من العلماء المؤهلين لتطبيق هذه السياسة.
174
ونتيجة لذلك، زاد نفوذ الصوفيين الفقهاء، وفي نهاية القرن الثامن عشر انتشر عبر السودان هجوم كبير على الممارسات الصوفية أو الممارسات الشعبية الأخرى التي تنطوي على بدع. وعلى نحو محاك لأجندات الصوفيين النقشبنديين بين سكان الواحات وقبائل آسيا الوسطى، تظهر المخطوطات العربية المتبقية من الجيوب الحضرية في الصحراء الكبرى أن صوفيي هذه الفترة كانوا المروجين الأساسيين للشريعة، ومن أمثلة هؤلاء السوداني أحمد الطيب البشير (المتوفى عام 1824)، الذي انتسب خلال رحلاته إلى شبه الجزيرة العربية في أواخر خمسينيات القرن الثامن عشر إلى الطريقة السمانية، المنبثقة عن الطريقة الخلوتية ذات التوجه الشرعي الصارم، التي سبق أن رأينا نفوذها الكبير في الإمبراطورية العثمانية. وقد روج البشير تعاليم الطريقة السمانية عند عودته إلى وطنه، وهناك منحه واحد من أواخر حكام سلطنة الفونج عزبة زراعية في الأراضي المطيرة الخصيبة السودانية.
175
نظرا لتزايد العلاقات هذا بين الصوفيين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأفريقيا البحر المتوسط في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإن دور الصوفيين كمقدمين للشريعة ومؤسسين للمجتمعات يشير إلى الأساليب التي من خلالها اشتركت أفريقيا في تطورات توحيد السلوك الأوسع نطاقا في هذه الفترة، من خلال تعويد الجماعات المختلفة على مجتمعات الطقوس المشتركة، التي مكنت بدورها تأسيس وحدات اجتماعية أكبر. وبحلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وصلت هذه التطورات مستويات جديدة، عندما تجاوز صوفيون بارزون من شمال أفريقيا مثل أحمد التيجاني (المتوفى عام 1815)، وأحمد بن إدريس الفاسي (المتوفى عام 1837)، شعوب الصحراء الكبرى المستعربة، وأدخلوا أعدادا كبيرة من الأفارقة السود في طرقهم الجديدة. وعلى الطرف الغربي لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فيما يعرف اليوم بموريتانيا، شهدت الفترة أيضا سفر محمد الحافظ الشنقيطي (المتوفى عام 1830) إلى مكة وفاس؛ حيث انتسب إلى الطريقة التيجانية على يد التيجاني، قبل أن يعود عبر الصحراء الكبرى لينشر نوعا من الصوفية حازت فيه دراسة الحديث والسنة النبوية على مكانة محورية.
Shafi da ba'a sani ba