Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Nau'ikan
اشتهر حادث سياسي خطير باسم حادث الحدود، ونذكره فيما يلي:
كان الخديوي عباس حلمي الثاني يثق بالمرحوم محمد ماهر باشا - وكيل الحربية وقتئذ وهو والد معالي علي ماهر باشا رئيس الديوان الملكي والدكتور محمود ماهر بك والدكتور أحمد ماهر عضو الوفد المصري والدكتور أمين ماهر - ثقة كبرى لحبه للوطن حبا جما. وكان هذا الحب يحمله على التألم من كل حادث يقع في الحربية يخالف مصلحة النظام العسكري. وكان كثير الاجتماع يومئذ بالخديوي. ثم إن الخديوي كان يجهر بانتقاداته في كل ما يراه مخالفا لمصلحة البلاد، سواء في شؤون الحربية أم غيرها. وفي ذات ليلة قال الخديو على مائدة الطعام: «سيرى السردار مني درسا قاسيا في الحدود.» فوشى به أحد الذين حضروا تناول الطعام على المائدة الخديوية عند كتشنر باشا سردار الجيش في ذاك الوقت.
فدبر الإنكليز أمرهم وانتظروا ما يأتي به الغد القريب، لا سيما وأن الخديوي كان عازما على زيارة الحدود وتفقد فرق الجيش المصري هناك.
وفي مساء يوم 9 يناير سنة 1894 سافر الخديوي عباس وفي معيته المرحوم ماهر باشا الذي كان الإنكليز يعدونه عدوا لهم. وهناك استعرض الجنود وأبدى ملاحظته على ما رآه بالأورطة الثانية على مسمع من الضباط الإنكليز؛ مما جعل كتشنر باشا يبلغ الخديوي بأن الضباط الإنكليز متذمرون من هذه الملاحظات العلنية على بعضهم، ويعدونها إهانة لهم جميعا، وأنهم عازمون على الاستقالة، ولا يسعه إلا عرض الأمر على قائد جيش الاحتلال والمعتمد الإنكليزي في مصر. فأفهمه الخديوي أن ما لاحظه على الجيش المصري هو حق له، وأن هؤلاء الضباط ليسوا في خدمته غير ضباط مصريين، وأنه لم يرد إهانة ضباط إنكليز قط. فتظاهر كتشنر باشا أمام الخديوي بالاقتناع وبعدول الضباط عن الاستقالة وبعدم إبلاغ هذه الحادثة إلى المعتمد الإنكليزي وقائد جيش الاحتلال. وعندئذ لم يهتم الخديوي بتبليغ حكومته ما جرى بينه وبين السردار. ولكن هذا كان قد أبلغها إلى المعتمد الإنكليزي الذي تحادث مع وزارة الخارجية. ولم يشعر المرحوم رياض باشا - رئيس الوزارة - الذي لم يحط علما بالأمر إلا والمعتمد الإنكليزي قد جاء بمطالب ثلاثة: (1)
ترضية الجناب العالي الخديوي للضباط الإنكليز ترضية رسمية بثنائه على نظام الجيش وضباطه قبل وصوله إلى العاصمة. (2)
عزل ماهر باشا من وكالة الحربية حالا. (3)
اعتبار الضباط الإنكليز الذين في الجيش المصري تابعين لجيش الاحتلال، وأن تناط الملاحظات عليهم بالقائد العام لذلك الجيش.
بوغت رياض باشا بهذه المطالب التي أصر يومئذ السير إفلن بارنج على إجابتها بلا تحوير وقبل وصول الخديوي إلى العاصمة. فما كان من المرحوم رياض باشا إلا أن أرسل تلغرافا إلى الخديوي يستفسره عن الحادثة. فأخبره الخديوي بأنه لم يحدث حدث يوجب السؤال والانشغال. ولكنه نظرا لإصرار المعتمد الإنكليزي على إجابة مطالبه، وخشية تعقد المسألة ووصول الخديوي إلى العاصمة قبل حلها، لم يسع رياض باشا إلا أن يبرح القاهرة ومعه حضرات النظار ما عدا تكران باشا - ناظر الخارجية - لمقابلة الخديوي في عودته فلقوه في بندر جرجا، فركبوا في معيته عائدين إلى العاصمة. وكانت المخابرات بين رئيس النظار وناظر الخارجية تلغرافيا بين كل محطة وأخرى. وفي ذاك الوقت كان ناظر الخارجية يراجع المعتمد الإنكليزي في تحوير تلك المطالب حتى وصل الركاب إلى مدينة الفيوم، وفي هذه المدينة أعلن الخديوي أنه راض عن نظام الجيش بأمر عسكري هذا نصه:
خطاب من الجناب الخديوي إلى السردار بحلفا
مدينة الفيوم في 26 يناير سنة 1894
Shafi da ba'a sani ba