332

Sudan

السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)

Nau'ikan

وكان لزاما عليهم أن يذوقوا من العذاب ألوانا في تطهير مجرى النيل من هذه الرمال التي كانت تطمر مجراه الذي كان بالقرب من مكان الهرم الحالي. قام بفكرهم أنهم إذا أقاموا هدفا يمنع الرمال من طمر مجرى النهر استراحوا من العذاب المستمر ، فأقاموا الهرم الأكبر ذا السطوح المائلة التي إذا سقطت عليها الرمال كانت زاوية السقوط مساوية زاوية الانعكاس، وليس في سطح أي جسم آخر تتوفر تلك المزية، وشيدوه وعانوا في تشييده ما عانوا، وأبدعوا هندسته، وتفننوا في تجميله بما وصلت إليه معارفهم الهندسية والفلكية، حتى إنهم أحكموا الفتحة البحرية التي في منتصف أسفل تلك الوجهة على امتداد محور العالم، وجعلوا الفتحة القبلية في أعلى السطح المقابل تدخل منها أشعة ضوء الشعرى

3

على جثمان من سيدفن في هذا المكان، وضلع الهرم 1000 شبر، وكل شبرين ذراع، وهو من الآثار المصرية العجيبة التي تدهش الأبصار؛ فقد هرم الدهر وهو فتى، وتعاقبت عليه العصور وتوالت الدهور وهو باق يشهد بناؤه بعلو درجات المتقدمين، وينطق ببراعة من كانوا بمصر من المهندسين، بوضعه يمكن تعيين الجهات ومعرفة الفصول والانتقالات.

فهذه هي أهم البواعث على تشييد الهرم ، وليس كما يقولون إنه أنشئ ليكون مدفنا، نعم قد دفن فيه منشئه، ولكن هو كما يحصل الآن فيدفن منشئ أحد المساجد أو الجوامع فيها كما حصل في عهد ساكن الجنان إسماعيل باشا؛ إذ دفن الشيخ العروسي شيخ الجامع الأزهر في مسجده الذي هو في الشارع الممتد من باب البحر إلى باب الشعرية. وكثيرا ما وجدت مساجد سمح بدفن منشئها فيها، ولكنها قبل كل شيء هي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.

4

وبإنشاء ذلك الهرم استراح الناس من العذاب الأليم الذي كانوا يعانونه كل عام في إزالة الرمال الكثيرة التي كانت تعوق سير النيل، وبذلك آمنوا طريقه، واتخذ سيره نحو الجهات البحرية، وتولدت من ذلك أرض فسيحة سميت بهدية النيل، وعلى منوال هرم الجيزة عملت أهرام أخرى من الحجر واللبن، ولكن كلها في الجهة الغربية من النيل لا في الجهة الشرقية التي كلها أحجار وجبال. أما الجهة الغربية فهي منافس تنسف منها الرمال.

ولو وفق الباحثون من المتأخرين لما قالوا كما قال دوربك مفتش المدارس والمكاتب في مقدمة كتابه «التعليم في مصر»: «أو لقد قدر ما حل من العذاب الجسدي لهؤلاء الألوف من البشر الذين كانوا كقطيع من الحيوان بذلوا النفس والقوى في تشييد الآثار العظيمة التي تسمى بالأهرام.»

ولو علم المأمون سر إنشاء الهرم لما أقدم على الأمر بهدمه عند حضوره سنة 190ه، ولكن لم يتيسر إلا إزالة الجزء العلوي منه.

ثانيا:

إنشاء خزانات في مجرى النيل لادخار مياهه وصنع سيالة في كل خزان تفيض منها إلى ما بعدها مياه بقدر معلوم، «ومما يوجب إعمال الفكر أنه يوجد فيما فوق وادي حلفا على القرب من القرية المسماة سحنة - وهذه مسألة فيها نظر - صخور وعرة المرقى رأسية الوضع على حرف النيل توجد عليها كتابات بالقلم المصري القديم منقوشة على ارتفاع سبعة أمتار فوق ما تبلغه المياه إذا وصلت إلى أعلى درجة من الزيادة الآن. ومن ترجمتها يعلم أن النيل كان في عصر العائلة الملوكية الثانية عشرة والثالثة عشرة إذا بلغ أقصى زيادة يصل إلى موضع النقش من تلك الصخور. وإذا صح ذلك فإن النيل من قبل هذا العصر بأربعين قرنا من الزمن يبلغ عند الشلال الثاني أكثر مما يبلغه في عصرنا هذا من الارتفاع بسبعة أمتار. ولعل السبب في اختلاف ارتفاع مياه النيل وما اعتنى بعمله فراعنة الدولة المتوسطة من الأعمال الجسيمة في ماء النيل بقصد الامتناع من غائلته، والانتفاع بزيادته، وللتحصن من غارات أعدائهم الذين كانوا يتهجمون عليهم من السودان يجعل هذا الشلال حصنا طبيعيا ومانعا قويا من نزول سفنهم إليه وشن الغارة عليهم.

Shafi da ba'a sani ba