وفارق ولكن بالتي هي أحسن
قد استفحل أمر الاغتياب عندنا حتى صار رواية تمثل في كل محضر، إنها لمأساة فاجعة أبطالها نحن رجالا ونساء، وللنساء الباع الطويل على هذا المسرح، وهن الحائزات قصب السبق في هذا الميدان، فلا تسمع بتهمة أو اغتياب تقوم لهما الناس وتقعد إلا كان أبطالها نساء أو أشباه النساء، فمتى اجتمعن - ولا أعني الراقيات المهذبات منهن - فلا تسل عن موضوع حديثهن، فهو أنا وأنت وهو. وأغلب جلوسهن يكون قبالة النوافذ لينظرن الجائي والرائح، استمدادا للوحي والإلهام، فيفصلن لكل رجل ثوبا، ولكل أنثى إذا كانت أجمل منهن فساطين مختلفة الأزياء والألوان ... ثم لا يقفن عند حد من الكلام، ولا تفرغ جعبتهن من السهام، فلو وهب الله خطيبا سرعة خاطرهن وفصاحتهن في مثل هذه المواضيع، لكان يقتل الناس بكلامه ولا ينتهي.
ومن تقصى في البحث عن غايتهن من الاغتياب علم أنها بسيطة، فهن لا يقصدن - غالبا - غير التسلية، وتلك سجية طبعن عليها. أما الرجال فهم أصحاب الغايات، وهم الذين يغتابون تشفيا وانتقاما. وإذا أمعنا النظر عرفنا أن المتاجرين بهذه البضاعة هم الجبناء الذين يطعنون في الظهور لا في الصدور، يكبرون العيوب بنظارة لومهم فيظهر القذى جذعا عريضا، ناهيك بما يخلقون منها، وما أقدرهم على الخلق والإبداع! إنهم يتوسلون بذلك إلى مدح أنفسهم، ولو فطنوا لعرفوا أن طول لسانهم لا يزيد في علو قدرهم شعرة. ولو كانت هذه الآفة في غصن من الأغصان لقطعناه واعتضنا عنه بغيره، ولكنها سوس مندس في قلب الجذع، فلا يفيق الولد ويفهم معنى الكلام حتى يسمع أمه في اجتماعاتها مع الجارات تطلق للسانها العنان في ميدان الطعن بفلان وفلانة، فتنطبع إذ ذاك هذه الصورة على لوح فؤاده، ثم تكبر وتتجسم كلما كبر وشب إلى أن تصبح عادة يصعب استئصالها.
فلنصن ألسنتنا نأمن شرها، وما أصدق المثل العامي القائل: «لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك.»
الصبر مفتاح الفرج
لا شك في أنك تقول حين تقرأ هذا العنوان: عنوان مبتذل.
نعم يا سيدي هذا صحيح، ولكن هذا المفتاح العتيق الذي أكله الصدأ يجب أن يكون في يدك أو في عبك ليلا نهارا، فأنت محتاج إليه في كل ساعة: في السوق، في المنزل، وفي السيارة وعلى الطريق وحيثما تنتقل، وإذا مت - بعد ألف عمر طويل - فأوص الورثة أن لا يستأثروا به بعد، بل فليضعوه تحت مخدتك في التابوت، فلربما احتجت إليه في المطهر أو عند الحوض، وعسى ألا يكون حوضك محلقا كحوض الفرزدق.
الصبر يا أخي سلاح العباقرة في معارك الإبداع والاختراع، فلولا صبرهم وثباتهم ما حق لهم علينا هذا الاحترام، ولا فازوا بهذا التعظيم والإكرام.
هذا في الأمور الجسام، أما في توافه الأمور فيجب أن يكون مفتاح الفرج في زنارك، فحين تصطدم بلئيم فمن يفتح لك الباب لتفر من المأزق غير الصبر؟ إن في الحياة مزالق لا ينجينا من شر عواقبها شيء غير الصبر، فلا تهزأ به إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى.
أما في عظائم الأمور فالصبر أمضى سلاح، قال نابليون: إنما يدرك النصر من هو أشد صبرا وثباتا، أما رأينا دودة القز تقضي أياما لتنسج شرنقتها المحكمة التي تصير فيما بعد زينة للحسان وحلة لصاحب التاج والصولجان؟ أما الدودة الخائرة القوى التي لا تستطيع الثبات حتى تحكم عملها فلا تترك إلا فيلجة رخوة قذرة لا تقبض عليها إلا وفي يدك من نتنها عود.
Shafi da ba'a sani ba