وقعد قبالتي على موقد يطحر ويزحر مصارعا البرد فتعدل الحمل، وبعد أن فتل شاربيه ورفع بأصبعيه أرنبة أنفه افتتح الحديث بالمقبلات: أخبار خارجية وأخبار محلية وأخبار أطول منها نفسا، ثم عاد إلى الداخل فبدأ على خيرة الله، بعدما ألح صوبي ومد عنقا كعنق السلحفاة، وقال: عندك للسر مطرح؟
قلت كما يقولون: بئر عميق، هات ما عندك.
فقال: منذ أيام كان فلان جارك عندنا فقال عنكم كيت وكيت، فقلت: من كان مثلك يا رجل لا يتطاول إلى من هم أكبر منه، وأنا أعرف أن من تسبه عندنا محسن إليك، فقال: محسن إلي! من قال؟ أنا صاحب الفضل لا هو.
فقلت: يا بو عزيز، الكلام صفة المتكلم.
فصاح: معلوم معلوم معلوم، ولكن أنا يقهرني نكران الجميل.
فقلت: هذا مرضنا يا عمي بو عزيز، كلنا في الهوى سوا.
فقال: الحق معك، هذا مرضنا، والبرهان على ذلك أن فلانا الذي هو من عظام الرقبة ظل يحكي طول النهار ولكن عمك عم، سد بوزه بأجلك الله، فلف ذنبه وراح. وتصديقا لقولك إننا كلنا في الهوى سوا، أمس كان فلان يروي أخبارا وحكايات عن شخص محترم جدا فما احتملت سفاهته، ولو لم يقفوا بيني وبينه كنت خطفت روحه.
فقلت: نشكر الله على أنها انتهت عند هذا الحد ولم ترتكب جناية.
فأجاب وهو مصدق نفسه: وأنا شكرت ربي، ولكن طبعي لا يحتمل.
وحاولت أن أقلب الأسطوانة، ولكن صاحبنا يلذ له هذا النغم فعاد إليه، وأراد أن يوقع بيني وبين صديق حميم أعرف حق المعرفة أنه لي غائبا وحاضرا، فقال: صديقك فلان، آه! الله لا يغرك منه، هذا قال كذا وكذا، فقلت له: عيب علينا أن نشرب من البئر ونرمي فيه حجرا!
Shafi da ba'a sani ba