فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
كيف استولى عليه اليأس والقنوط في ساعة لم تهضم فيها معدته ما أكل؟ حتى راح يجتر فكرته الكبرى وقال:
وما الجمع بين الماء والنار في يدي
بأصعب من أن أجمع الحظ والفهما
أشهد أن المتنبي على محبتي له قد ضل هنا، وإذا صدقناه أن الحظ والفهم لا يجتمعان احتقرنا النبوغ في جميع ميادين الحياة، كان هدف المتنبي المال والحكم ولأجلهما سب الدهر وغضب على الحظ، وهو لو لم يدرك ما تمنى ولم تجر الرياح بما لا تشتهي السفن كما قال لكان أتعس الناس حظا وما كان فاز بهذا الخلود، لقد كان الحظ في خدمة المتنبي، والمتنبي لا يدري، وهكذا كان يشقى في النعيم بعقله كما قال.
والذي يتراءى لي من حديث البشر عن الحظ هو أنهم لا يعنون إلا المادة، فما سمعناهم قالوا عن رجل كبير العقل وافر العلم أنه صاحب حظ إذا لم يكن في يده المال، فالإنسان في عرفهم لا يكون محظوظا ما لم يحصل على المال من أية الطرق كانت، فكأن العقل لا قيمة له في نظرهم. إذا أثرى واحد كان عند هؤلاء من الذين خدمهم الحظ، أما كيف أثرى ومن أين، فهذا لا وزن له ولا اعتبار، يقولون لك: «حظ»! فاسرق وانهب ولا ترد يدك عما تصل إليه ليسموك صاحب حظ، فهم لا يفكرون قط بما قاله عاشق الحظ:
ولا أقيم على مال أذل به
ولا ألذ بما عرضي به درن
Shafi da ba'a sani ba