قلت: «وفهمت من العلم أن الطبيعة خلقت العضو المعرض للخطر مزدوجا، أما اللسان فمحفوظ بين بابين؛ واحد من لحم والثاني من عظم، ومع ذلك خلق واحدا.»
فضحك العم وقال: «بلا علم وبلا بطيخ، خرب بيوتنا العلم، ما خلى العلم ولا بقى، لا وجدان ولا ضمير.»
وسكت قليلا كمن يفتش عن حجة قاطعة مانعة، ثم ضرب بيده فخذي وقال مستهزئا: «يقول العلم الأعضاء المعرضة للصدمات خلقت اثنين اثنين، فما رأي حضرة العلم بالكليتين والرئتين؟ آه من العلم! إذا كان اللسان وراء بابين كما قلت، فالرئتان والكليتان في صندوق. لا يا أستاذ، الله لا غيره خلق لنا أذنين وعينين ولسانا واحدا حتى نسمع كثيرا ونرى كثيرا ونتكلم قليلا، فهمت؟ وضع العينين والأذنين على رأس الجبل - وأشار إلى رأسي - لتنظر وتسمع، ما رأيت أنهما - وأشار إلى أذني - على شكل قمع؟ عملا هكذا حتى يتدهور فيهما الكلام فلا تفلت منه واحدة.
أما اللسان فوضعه خلف بابين، خوفا من أن يفلت هذا اللعين، ففلتة اللسان ما لها دين، في هذا السجن المظلم حبس الله اللسان لأنه أصل كل شر ومنبع كل خير، وعلى صاحبه ألا يريه الهواء والنور إلا بعد ألف حساب.
أفهمت الآن لماذا خلق الله أذنين وعينين ولسانا واحدا لا غير؟ إياك أن تقول الطبيعة فيما بعد! الطبيعة خادم مسخر للسيد يقول له: تعال ورح. تصور أن اللسان حر طليق مثل الأذنين والعينين فماذا كان يعمل هذا المنحوس؟ إنه كان يقلق الأرض ويزعج الهواء حتى يكل عن نقل ما يحدث من أصوات ...»
ثم زفر بو حسن وتنهد وقال: «ومع كل هذا التحفظ الذي عمله الباري لصون اللسان، فإنك لا تقدر أن تحصي مضار اللسان، أصل الشرور كلها كلمة تفلت من اللسان؛ ولذلك قال المثل: لسانك حصانك إن صنته صانك.»
واستراح شيخي من محاضرته البليغة وقد أعجبه وقع حديثه في نفسي فقال: «هذا علمني إياه الاختبار، أنا لا أعرف الألف من المئذنة ولكن من يفكر يجد، في الدنيا بحر من العقد لا تفك منها عقدة حتى تقع على عقدة أبشع منها.»
ثم قال متمهلا: «أتظننا انتهينا من القضية التي شغلت بالك؟ خذ واحدة ثانية: لماذا قصر الله المسافة بين الأذنين والفم، فهي ليست أكثر من مقدار كف؟ جاوبني على سؤالي.»
ففكرت بالجواب، ولكنه تعجل في الأمر وقال: «لا تتعب نفسك، أنا أجاوبك يا أستاذ، وضع الله الأذنين على مقربة من البوز حتى يسمع الإنسان ما يقول، ومع ذلك فأكثر الناس لا يسمعون ما يقولون. كل هذه الأشياء تستحق التفكير، وهي لم تكن صدفة واتفاقا؛ فهناك حكمة علوية صنعت كل هذا.
وبعد كل هذا لست أقول إنني مصيب، ولكن الله أعطانا عقلا ...»
Shafi da ba'a sani ba