150

Hanyoyi da Hanyoyi

سبل ومناهج

Nau'ikan

نجنا اللهم من هؤلاء، من وجوه بلا ماوية.

ما أحلى أيام المدرسة!

كلمة تسمعها أيها الفتى من أبيك وجدك وجدتك العجوز، وإن لم تكن هذه الأخيرة قد عرفت المدرسة إلا عن طريق أذنيها المصفرتين كورقة خريف نصف يابسة. وهذه الكلمة ستقولها أنت يا عزيزي، حين تتكوم حول الموقد ويرقص من حولك أحفادك رقص جراء الهررة حول أمهن النائمة.

ليس التحسر على أيام المدرسة تحسرا على أيام كنت فيها محبوسا بين أربعة جدران، فالمدرسة حبس موقت يقبله طالب العلم طائعا مختارا، ولكنه تحسر على فتوة خسرتها ولم تعرف قيمتها، وأنت تتمنى لو تعود تلك الأيام أدراجها فتحسن التصرف بها. إنك تتحسر عليها تحسر المبذر على ثروة أنفقها بغير حساب، وها هو يذكرها والدمعة السرية في العين والحسرة في القلب . وإذا لم تكن من الذين خرجوا منها بخير فستذكر حين تحاسب ذاتك أنك كنت تسرق نفسك، كنت تسرق مالك وعمرك.

كنت ترى اليوم كالشهر في الطول، والساعة كالنهار، وأنت الذي طولت مدة كان في استطاعتك تقصيرها، لم يكن يقع نظرك على صفحات كتابك حتى كنت ترفعه نحو الساعة المعلقة في قاعة الدرس تماشي عقاربها، وتتعجب من بطئها، تسب أباها وأمها، وتتغضب عليها لأنها لا تسرع حسب مشيئتك!

ما أطول ساعة هذا الدرس! كثيرا ما كنت تقول ذلك، أما الحق فهو أن ساعة الدرس كغيرها من الساعات الأخرى، ولكن إساءتك استعمالها أطالتها ومططتها فصارت أطول من ليل امرئ القيس والنابغة. اعمل يا عزيزي تجد الوقت قد مر، وبهذا العمل تقتل السأم والضجر وتستفيد علما، ولكن الكسلان عدو نفسه.

قد تقعد مع رفيق على شاكلتك وتنصبان ميزان الدينونة، فتزنان هذا الأستاذ وذاك، ثم تنتقدان المدرسة من مديرها إلى بوابها، ومن معلمها إلى طباخها، فتبدو لكما مسودة الجدران ضيقة المساحة على رحبها. ولو فطنتما لأدركتما أن هذا الاسوداد هو في نفسيكما، وأن ذاك الضيق الذي تنعتان به المدرسة هو في صدركما، فأنت يا عزيزي حاضر غائب، أنت مع معلمك تشخص إليه وتسمع درسه، ومعلمك القصير النظر السطحي الاختبار يخالك مصغيا إليه تكاد تأكله بعينيك لاتساع حدقتيهما، في حين أنك تسبح في عالم غير عالم الصف، تسمع دروسه ولا تسمعها وترى شخوصه ولا تراهم، إنك في دنيا غير دنياهم، وأستاذك الجليل لا يدري أنك لست معه.

إنه ينقصك شيئان لتفلح في المدرسة، عفوا وفي العالم أيضا، وهذان الشيئان هما: الرغبة والانتباه، فإذا كنت راغبا فيما يلقى عليك من دروس فأنت مفلح فيها، والانتباه يذلل جميع مصاعب الدروس، العويص منها يصبح مفهوما، فتنحل أمامك جميع العقد التي كنت تخشاها، ويدق قلبك دقات فرح حين تجيء ساعة هذا الدرس الذي كنت تقول إنه لا يدخل عقلك ... وكيف يدخل وأنت عقلك ساد الباب بوجهه؟! من أين يدخل والنوافذ مقفولة؟! إن أذنيك وعينيك نوافذ تخلص الحقائق منها إلى مخدع دماغك لتستريح فيه، ومتى كانت هذه الطاقات والنوافذ مسدودة فعبثا تلتمس العلم، لم يستطع العلم حتى الآن أن يخترع أنابيب تحقن بها العقول وتلقح الأدمغة؛ ولهذا تظل فاشلا إذا لم تنتبه.

كثيرا ما نقول: هذا المعلم لا يحسن تفهيم المادة التي يعلمنا إياها، قد يكون ذلك، أما غالبا فأنت العلة لا المعلم. فإذا كنت لا تعيره أذنا صاغية فمن أين يبلغ عقلك ليفهمك؟ إن أكثر سقوط التلاميذ في دروسهم ناتج عن قلة رغبتهم فيما يتعلمون؛ لأن الزهد في الدرس يجر إلى عدم الانتباه وهنا علة العلل، هنا المعركة التي يجب أن يجاهد في سبيلها المعلم المربي، فإذا تغلب عليها أدرك النصر المبين وبلغ غايته التربوية والتعليمية.

يبلغ الغاية التربوية إذ يخلق في تلميذه خاصة الانتباه، وهي سلاح العاملين في الحياة، ويبلغ الغاية التعليمية إذ يسلحه بأعتدة علمية تسهل له الكفاح في ساحات شتى من ميدان النضال.

Shafi da ba'a sani ba