Studies in Quranic Sciences - Fahd Al-Roumi
دراسات في علوم القرآن - فهد الرومي
Mai Buga Littafi
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
Lambar Fassara
الثانية عشرة ١٤٢٤هـ
Shekarar Bugawa
٢٠٠٣م
Nau'ikan
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ١.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ٢.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ٣.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدى محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وإن القرآن كلام الله سبحانه أودع فيه الهدى والنور وأبان فيه العلم والحكمة، فأقبل العلماء ينهلون من معينه ويعبون من نُقَاخه، فاستنبط الفقهاء
_________
١ سورة آل عمران: الآية ١٠٢.
٢ سورة النساء: الآية ١.
٣ سورة الأحزاب: الآيتان: ٧٠، ٧١.
1 / 5
من أحكامه، واهتدى أهل البيان بنظامه، وتفكر المتفكرون في قصصه وأخباره، وتأملت طائفة في حججه وبراهينه.
وأقبلت طائفة على تاريخ نزوله ومكيه ومدنيه وأول ما نزل وآخر ما نزل وأسباب النزول، وجمعه وتدوينه وناسخه ومنسوخه ومجمله ومبينه وأمثاله وقصصه وأقسامه وجدله وتفسيره، حتى أصبحت هذه المباحث علومًا واسعة غاص في بحورها العلماء واستخرجوا منها الدرر، واتسعت هذه الأبحاث حتى احتاج الناس إلى من يجمعها بإيجاز، ويتحدث عنها باختصار.
وقد ألف العلماء في كل عصر مؤلفات تناسب معاصريهم في الأسلوب والتنظيم والترتيب، وما زالوا يؤلفون وكل منهم يبذل جهده ويتحرى ما وسعه التحري أن يبسط هذه العلوم بأسلوب ميسر يدني فيه البعيد ويوضح فيه المستغلق ويجلو به المبهم.
ثم رأيت أن أشارك بالتأليف في هذه العلوم بجهدي المقل وإن لم أكن من أربابها بأسلوب حرصت على أن يكون ميسرًا وبطريقة حرصت على أن تناسب الراغبين في التحصيل.
وقد تتابعت طبعات هذه الكتاب وفي بعضها تصحيحات وإضافات يسيرة لا تتجاوز الصفحات المعدودة.
وفي الطبعة -السابعة- أضفت عدة أبواب هي "الوحي" و"أول ما نزل وآخر ما نزل" و"إعجاز القرآن الكريم" و"رسم المصحف" وأضفت في الطبعة العاشرة عدة أبواب هي: "القراءات والقراء" و"المحكم والمتشابه" و"العام والخاص" و"المطلق والمقيد" و"المنطوق والمفهوم".
أسأل الله العون والتوفيق إنه سميع مجيب
المؤلف
الرياض ١٥/ ٨/ ١٤٢٣هـ
1 / 6
تعريف علوم القرآن الكريم
المعجزة الكبرى:
خلق الله ﷾ الإنسان في أحسن تقويم.
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ ١ وركب خلقه من جسد وروح، وجعل للجسد غذاءه وللروح غذاءها.
أما الجسد فجسم مادي يتغذى بالماديات وهي طعامه وشرابه وعلى الجسد أن يسعى لتحصيلها بالزراعة أو الصيد أو غيرها. وقد أعان الله الأجساد بتقريب غذائها إليها فليس عليها إلا أن تبذر البذرة أو تغرس الغرسة وترعاها فتنبت بإذن ربها، ولو سلب الله من النبات هذه الخاصية لما كان لهذه الأبدان من قوة للإنبات: ﴿أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ﴾ ٢ وأدنى إليها الماء ليسهل إخراجه، ولو بعد غوره لما استطاعت إخراجه: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ ٣.
أما الروح وما أدراك ما الروح، فقد أعانها الله تعالى على تحصيل غذائها وأدناه إليها وأرسل الرسل تهدى إليه ووهب العقول تؤمن به.
فإذا انحرفت أمة من الأمم عن سمت الصراط المستقيم أرسل الله
_________
١ سورة التين: الآية ٤.
٢ سورة الواقعة: الآية ٧٢.
٣ سورة الملك: الآية ٣٠.
1 / 7
إليهم رسولًا منهم يعيدهم إليه ويظهر الله على يديه من المعجزات ما يظهر بها صدقه وتقوم بها حجته.
وقد كانت سنة الله تعالى في المعجزات أن تكون المعجزة التي يظهرها الله على يد كل نبي من أنبيائه من جنس ما برع فيه قومه وتفوقوا؛ حتى تكون أقوى حجة وأظهر برهانًا وأصدق دليلًا.
والتحدي أقوى ما يكون إذا تحديت إنسانًا فيما ظهر فيه وتفوق، فإذا تحدى شاب في سباق طويل رجلًا عجوزًا لا يكاد يقوم من مقعده إلا بعصا تسنده، ولا يكاد يمشي إلا دبيبًا، فإن تحديه هذا يكون موضع سخرية وهزء لا محل احترام وتقدير، ولكن التحدي يلقي التقدير إن تحدى شابًّا اشتهر بسرعة عدوه وتفوق فيه.
وهكذا كانت المعجزات التي يظهرها الله على يد أنبيائه تكون في نطاق ما يعرفون بل فيما فاقوا فيه معاصريهم.
وتدبر -مثلًا- معجزة موسى ﵇. أرسله الله ﷾ إلى قوم قد نالوا في السحر درجة وشأوًا بعيدًا حتى امتلأت البلاد منهم، والسحر له حد ينتهي إليه لا يتجاوزه، فالساحر لا يستطيع أن يحول قطعة ورق إلى فئة نقدية "حقيقة" بل "يخيل" لك ذلك فإذا غاب عنك عادت إلى الحقيقة فإذا بها قطعة ورق.
والسحرة يلقون حبالهم وعصيهم أمام موسى "فيخيل" إليه أنها تسعى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ ١ وذلك لأنها لم تتحول حقيقة وإنما تحولت خيالًا.
وحين ألقى موسى ﵇ عصاه لم يقل الله: يخيل إليه أنها تسعى، وإنما قال سبحانه: ﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾ ٢.
_________
١ سورة طه: الآية ٦٦.
٢ سورة طه: الآية ٢٠.
1 / 8
ذلكم أنها تحولت إلى ثعبان حقًّا، وهذا لا يمكن حدوثه في عالم السحر١.
إذًا فمعجزة موسى ﵇ من جنس ما برع فيه قومه فكلاهما تحويل من حال إلى حال إلا أن السحر من حقيقة إلى خيال، وأما معجزة موسى فمن حقيقة إلى حقيقة وإذا عجز عنه أولئك فهم عن غيره مما لم يبرعوا فيه أعجز.
ولهذا كان أول من أدرك إعجاز موسى ﵇ هم السحرة أنفسهم أدركوا من فورهم أن معجزة موسى ﵇ ليست بسحر، وأن السحر لا يصل إلى درجتها وإنها لا يمكن أن تكون من موسى بل هي من رب موسى٢ وإذا كانت من ربه فإنما أظهرها على يديه لتكون حجة على صدقه فأذعنوا من فورهم واستولى الإيمان على قلوبهم ولم يستأذنوا أحدًا؛ لأن ما أدركوا أقوى من أن يترك لهم فرصة للتردد والتشاور.
وانظر معجزة عيسى ﵇ نما وازدهر الطب في عهده وبرع فيه قومه والطب له حده الذي ينتهي عنده في علاج الأبدان فهو يعالجها ما دامت الروح فيها لم تخرج، أما إذا خرجت فقد عجز الطب والأطباء ومن هنا بدأت معجزة عيسى ﵇ حيث قال: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ٣.
فمعجزته ﵇ من جنس الطب الذي برع فيه قومه وإذا عجزوا
_________
١ ينبغي أن نفرق هنا بين حقيقة السحر وتأثير السحر فتأثيره حقيقي فقد يؤثر في العين فترى ما لا حقيقة له، وقد يؤثر في القلوب فيكره الزوج زوجته، وتكره الزوجة زوجها ونحو ذلك.
٢ لذلك لم يقل السحرة آمنا بموسى وإنما قالوا: ﴿آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾ [طه: ٧٠] .
٣ سورة آل عمران: الآية ٤٩.
1 / 9
عن الإتيان بمثل ما برعوا فيه فهم عن سواه أعجز، وبهذا تكون حجته على قومه أقوى وأظهر.
أما صالح ﵇ فقد أرسله الله تعالى إلى قوم كانوا ينحتون من الجبال بيوتًا، ولا تزال آثارهم باقية بزخارفها ونقوشها. والنحات مهما بلغ في فنه يقف عند حد التصوير لا يستطيع أبدًا أن يبعث الحياة فيما نحت وجاءت معجزة صالح بأن أخرج لهم بإذن الله من الصخر١ -الذي ينحتون منه- ناقة ذات روح تأكل وتشرب وتدر الحليب. والنحات يستطيع أن ينحت من الصخر شكل ناقة لكنه لا يستطيع أن يبعث فيها الحياة، فكانت المعجزة من جنس ما تفوقوا فيه وإن لم تكن مثله.
أما العرب وقت بعثة الرسول ﷺ فإن نظرة فاحصة إلى مجتمعهم تظهر جليًّا أن المجتمع كان مجتمعًا جاهليًّا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.
أما السياسة فكانت الحكومات تحيط بهم: الأكاسرة في فارس والقياصرة في الروم والمقوقس في مصر والنجاشي في الحبشة، أما الحجاز فلم يكن ثم ملك أو رئيس أو أمير، وإنما زعماء وصناديد لكل قبيلة تفرق أكثر مما تجمع وتشتت أكثر مما توحد؛ ولذا كان العرب أمة مستضعفة هانت على الآخرين يذهب زعماؤها إلى الشام مثلا ويدخلونها كما يدخلها أي إنسان لا مزية له ولا مقام، ولو سافر زعيم فارس إلى الروم لاستقبل بالحفاوة وضربت له السرادق واستقبل استقبالا مميزًا، أما زعماء العرب فكانوا يدخلون الأسواق ويبيعون ويشترون لم يعرف أحد بدخولهم ولم يبال أحد بخروجهم، فأنى لمثل هذه الزعامة أن يكون لها جانب مهاب.
وأما الاقتصاد فقوامه الصناعة والزراعة والتجارة. أما الصناعة فلم يكن ثم صناعة وإن وجد صناع فنجار فارسي أو حداد رومي أو صناعات لا تكاد تذكر.
_________
١ انظر: تفسير الطبري ج١٢ ص٥٢٥ وما بعدها، وتفسير ابن كثير ج٢ ص٢٤٥.
1 / 10
أما الزراعة فأرضهم غير ذات زرع وإن وجد فالمياه شحيحة والخبرة نادرة إلا النخيل على قلته فهو النوع الذي يمكن تخزينه والتجارة به من بلد إلى بلد وما سواه فإما أنه لا ينبت في أرضهم، أو لا يمكن الاحتفاظ به والاتجار لسرعة تلفه في مثل أجوائهم، فالزراعة ليست ذات جدوى اقتصادية في بلادهم.
أما التجارة فكانت تقوم على رحلتين رحلة الشتاء إلى اليمن ورحمة الصيف إلى الشام وما ظنكم بتجارة تلكم وسائلها وإمكاناتها، وما تجدي بضاعة تحملها النوق من الشام أو من اليمن إلى مكة بعد مضي فترة طويلة بين رحلة وأخرى.
وإذا كانت الصناعة والزراعة والتجارة على هذا الحال فكيف سيكون اقتصاد البلاد!! وإذا كان هذا اقتصادهم فكيف ستكون حالتهم المعيشية.
وفي الناحية الاجتماعية كانوا قبائل شتى تقع الحرب بين القبيلتين لأتفه سبب وأهونه وتشعل الحرب في أيام ولا تنطفئ إلا بعد سنوات.
حتى الأسرة يبدو التفكك فيها ظاهرًا وكيف ترجو الترابط الأسري في مجتمع يمتهن المرأة ويعاملها كالسلعة تباع وتشترى وتوهب وتكترى وتورث كما يورث متاع الدار، ومن ثم فلا تعجب إن خمدت عاطفة الأبوة فيقدم الأب على قتل أولاده لا لشيء إلا خشية الإملاق، ويدفن ابنته وهي حية لا لشيء إلا خشية العار.
تأمل في هذا المجتمع حيث لا سياسة توحد صفوفهم ولا اقتصاد يجمع كلمتهم ويوصد مصالحهم، ولا سلام يسود بينهم، ديدنهم توارث العداوات والأحقاد ودأبهم السلب والنهب ومعبودهم الأصنام والأوثان.
وإذا كان الأمر كذلك لا سياسة تشغلهم في بحث شئون الدولة وإصدار الأنظمة والقوانين وبحث العلاقات السياسية مع الدول المجاورة ولا اقتصاد يجمعهم للتداول في أمره والتماس السبل الاقتصادية والمعاملات التجارية أو صناعة تشغل وقتهم أو زراعة تملأ فراغهم، إذا كان الأمر كذلك فإن الفراغ
1 / 11
عندهم كبير لم يجدوا ما يملئوه به إلا الاجتماع في الأسواق والدور وأهون ما تملأ به هذه المجالس هي المحادثة فلا عجب أن برع هؤلاء في أساليبها وتذوقوا بليغها وطربوا لبيانها وبديعها.
ولا عجب أن عقدوا للكلمة أسواقا١ يعرضون فيها قصائدهم وخطبهم وأن ترسل كل قبيلة وفدها يلتف حول شاعرها يمدح قبيلته ويمجد مآثرها ويعلن محاسن قومه والناس يصدقون الشاعر، وإن كانوا يعلمون كذبه ويرددون أبياته وإن كانوا يعرفون مبالغتها أو افترائها.
ولا عجب ما دامت هذه مكانة الكلمة أن تهون قبيلة إذا هجيت بقصيدة وإن كانت كاذبة وأن يرفع أتباع القبيلة رءوسهم فخرا إن مدحوا بقصيدة، وما ذاك إلا لسلطة الكلمة بينهم فالكلمة في تلك الفترة لها سلطتها ترفع فيهم وتضع.
وحين أراد الله ﷾ بهذه الأمة خيرا واقتضت حكمته أن يبعث إليهم رسولا يخرجهم من الظلمات إلى النور؛ جاءت المعجزة وفق سنة الله في إظهار المعجزات التي جاءت على أيدي الأنبياء من قبله. فكانت معجزته ﷺ من جنس ما تفوقوا فيه وملك ألبابهم وسيطر على عقولهم جاءت معجزته قرآنا يقرأ ويسمع ويمسك البلاعة من أطرافها ويملك الإعجاز من مجامعه.
وحين ناوءوه وحاربوه وطاروده هو وأهله وعشيرته وأصحابه وبذلوا كل ما يستطيعون للقضاء على دعوته أظهر لهم سبيلا واحدا لذلك إن استطاعوا بأن يأتوا بمثل هذه القرآن أو بمثل عشر سور أو بمثل سورة أو بمثل حديث منه وكان هذا العرض أشد عليهم مما هم عليه من حربه لأنهم في حربه يؤملون القضاء على دعوته أما فيما تحداهم فيه فإنهم يعرفون سلفا عجزهم عن الإتيان بمثل هذا القرآن ومن ثم لم يحاول أحد منهم -مجرد محاولة- أن يأتي بمثل هذا لأنه يعرف -سلفا- أن لا سبيل إلى ذلك وأن
_________
١ مثل سوق المُشَعَّر بالبحرين وسوق الشَّحْر بين عمان وعدن وسوق ذي المجاز في عرفة بمكة. وسوق مجنة وسوق عكاظ بالطائف وسوق حباشة بمكة.
1 / 12
مجرد المحاولة سيجعله مثار هزء وسخرية أمام مجتمعة تمامًا، كمثل محاولة ذاك الذي يحاول أن يقفز بقدميه ناطحة من ناطحات السحاب. إن مجرد محاولته مثار هزء وسخرية فاختاروا سبيل الحرب مع شدته على الإتيان بمثل هذا القرآن.
فإن قلت إذا كان القوم يدركون إعجاز القرآن فلم لم يؤثر في قلوبهم ويذعنون له؟ "قلت": إن القوم أدركوا هذا التأثير ولم يقفوا منه موقف المتفرج وإنما سعوا بكل ما في وسعهم لمحاصرته.
فكانوا يحذرون من مجالسة الرسول ﷺ وكانوا يستقبلون القوافل القادمة إلى مكة ويحذرونهم أول ما يحذورنهم من مجالسة محمد ﷺ أو الاستماع إليه. فإن صدع ﷺ في مجتمع بالقرآن وجهر به ضجوا بأصواتهم حتى لا يصل صوته إلى الآذان: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ ١ لأنهم يعرفون أن مجرد السماع له تأثيره القوى.
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ ٢.
لكن هذا التأثير عند سماع القرآن لا يجدي إذا كان هناك عناد واستكبار لأن العناد لا تجدي معه حجة ولا ينفع معه البرهان.
وكان العناد هو المانع لكثير من أهل مكة عن الإسلام وحين لا يكون ثم عناد نرى التأثير القرآني، فأهل المدينة مثلا أرسل إليهم الرسول ﷺ رجلين هما مصعب بن عمير وعبد الله ابن أم مكتوم٣ ﵄، فجلسا هناك يقرآن القرآن والناس يستمعون ولم يلبثوا إلا يسيرا حتى دخلت
_________
١ سورة فصلت: الآية ٢٦.
٢ سورة التوبة: الآية ٦.
٣ انظر: سيرة هشام ج٢ ص٧٧، ٧٩، والكامل في التاريخ: ابن الأثير ج٢ ص٦٧، ٦٨.
1 / 13
المدينة في الإسلام وفتحت أبوابها لرسول الله ﷺ ولهذا قيل: "فتحت البلاد بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن"١.
فإن قلت: ما الدليل على أن العناد هو المانع من التأثر بالقرآن قلت: الأدلة كثيرة يكفي منها اعتراف صريح لزعيم من زعماء قريش هو أبو جهل، فقد روى ابن هشام أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله ﷺ وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا ... وحصل في الليلة الثانية ما حصل في الأولى.. وحين التقوا في الليلة الثالثة قال بعضهم لبعض: لا نبرح أبا جهل عن رأيه فيما سمعه من محمد فقال: ماذا سمعت! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف. أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاذبنا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذا!! والله لا نؤمن أبدًا ولا نصدقه٢.
والتقى الأخنس بن شريق، وأبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا أحد يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ "٣.
حتى أبو طالب عم الرسول الله ﷺ أدرك صدق الرسول ﷺ ولم يمنعه
_________
١ مجمع الزوائد: الهيثمي ج٣ ص٢٩٨.
٢ سيرة ابن هشام: ج١ ص٣٣٧، ٣٣٨.
٣ أسباب النزول: الواحدي ص٢١٨ في الآية: ٣٣ الأنعام.
1 / 14
من الإسلام إلا خشية الملامة من قومه والمسبة فهو يقول:
فوالله لولا أن أجيء بسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهازل
لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعنى بقول الأباطل
إلى أن قال:
فأيده رب العباد بنصره ... وأظهره دينا حقه غير باطل١
وقال أيضًا:
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحًا بذاك مبينًا
كما حكى القرآن الكريم اعتراف الكفار بسلامة القرآن وإعجازه، واعترافهم أن المانع لإسلامهم واقتناعهم ليس الضعف في حجج القرآن وبراهينه، وإنما هو الحسد أن ينزل هذا القرآن على محمد: ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ ٢.
ويظهر هذا في قول الوليد بن المغيرة حين قال: "أينزل على محمد وأترك وأنا كبير قريش وسيدها"٣.
وبلغ عنادهم أقصاه حين أعلنوا رفضهم لقبوله حتى وإن كان حقا حين قالوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ٤.
ولعل في هذا دليلًا ظاهرًا على أن المانع من إيمان أولئك كان العناد.
_________
١ سيرة ابن هشام ج١ ص٢٩٩.
٢ سورة الزخرف: الآية٣١.
٣ سيرة ابن هشام: ج١ ص٣٨٧.
٤ سورة الأنفال: الآية٣٢.
1 / 15
أما طالبو الحق فقد ملك القرآن أفئدتهم وهيمن على قلوبهم وزادهم خشوعًا فأذعنوا وأسلموا وأقبلوا على رسول الله ﷺ يتلو عليهم الآيات ويزكيهم.
وقد كان أصحابه رضوان الله علهيم عربًا خلصًا يفهمون القرآن الكريم بمقتضى اللغة والسليقة العربية فإن اشتبه عليهم لفظ أو غمض عليهم معنى سأل بعضهم بعضًا وإلا سألوا الرسول ﷺ فبينه لهم.
وما زالوا يقرءون القرآن ويتدبرون معانيه ويتدارسون أحكامه حتى حفظه كثير منهم واشتهر آخرون بدقة تفسيره واشتهرت طائفة بإحكام تلاوته؛ وبهذا نشأت علوم القرآن الكريم في وقت مبكر.
تعريف علوم القرآن: علوم القرآن مركب إضافي يتكون من كلمتين "علوم" و"القرآن" والمقام يقتضي أن نعرف كل كلمة وحدها لغة واصطلاحًا ثم نعقب على ذلك بتعريفهما معا مركبتين تركيبا إضافيًّا.
تعريف العلوم: العلوم جمع علم والعلم نقيض الجهل وهو مصدر مرادف للفهم والمعرفة ويراد به إدراك الشيء بحقيقته أو اليقين أو هو نور يقذفه الله في القلب. ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة مثل علم النحو، وعلم الطب، وعلم الكيمياء. ويجمع على "علوم" وقد تسمى به المباحث التي تتناول موضوعًا واحدًا مثل: علوم العربية، والعلوم الطبيعية، والعلوم التجريبية.
تعريف القرآن مدخل ... تعريف القرآن: من رحمة الله بعباده حين خلقهم أن أمدهم بما يهديهم إلى صراطه المستقيم الذي كلفهم بالاستقامة عليه. فزودهم بالفطرة التي ترشدهم إلى الحق وتدلهم عليه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى
تعريف علوم القرآن: علوم القرآن مركب إضافي يتكون من كلمتين "علوم" و"القرآن" والمقام يقتضي أن نعرف كل كلمة وحدها لغة واصطلاحًا ثم نعقب على ذلك بتعريفهما معا مركبتين تركيبا إضافيًّا.
تعريف العلوم: العلوم جمع علم والعلم نقيض الجهل وهو مصدر مرادف للفهم والمعرفة ويراد به إدراك الشيء بحقيقته أو اليقين أو هو نور يقذفه الله في القلب. ويطلق العلم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة مثل علم النحو، وعلم الطب، وعلم الكيمياء. ويجمع على "علوم" وقد تسمى به المباحث التي تتناول موضوعًا واحدًا مثل: علوم العربية، والعلوم الطبيعية، والعلوم التجريبية.
تعريف القرآن مدخل ... تعريف القرآن: من رحمة الله بعباده حين خلقهم أن أمدهم بما يهديهم إلى صراطه المستقيم الذي كلفهم بالاستقامة عليه. فزودهم بالفطرة التي ترشدهم إلى الحق وتدلهم عليه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى
1 / 16
شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ ١.
وأرسل إليهم الرسل تصحح لهم عقائدهم وتهديهم إلى ما فيه الخير لهم في الدنيا والآخرة وتبشرهم وتنذرهم: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ ٢.
وأنزل معهم الكتب تبسط دعوتهم وترسي قواعد دينهم وتجلو لهم أمور عقيدتهم.
وما زال الأنبياء يتتابعون ويبنون صلاح الدين الإسلامي حتى بعث الرسول ﷺ وأنزل معه القرآن الكريم فأكمل الله به الدين وأكمل به الرسالة فكان خاتم الأنبياء، وكان القرآن خاتم الكتب السماوية، "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين" ٣.
وتوفي رسول الله ﷺ وبقي هذا القرآن محفوظًا من التحريف والتبديل معلنا عموم رسالة محمد ﷺ إلى الناس كافة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ ٤ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ ٥.
فلا عجب أن يكون في القرآن الكريم العلاج الحاسم والدواء الناجع لجميع ما يعترض الحياة الإنسانية في مسيرتها من أمراض روحية وعقلية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فهو تنزيل من حكيم حميد يعلم أمراض البشرية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ويعلم علاج كل داء فضمنه القرآن الكريم وجعله باقيًا إلى يوم القيامة.
فمتى ابتغت البشرية العلاج من غيره فقد ضلت ومن حكم بغيره فقد ظلم فهو العصمة لمن تمسك به وهو النجاة لمن اتبعه.
_________
١ سورة الأعراف: الآية ١٧٢.
٢ سورة النساء: الآية ١٦٥.
٣ رواه البخاري ج٤ ص١٦٢، ورواه مسلم ج٤ ص١٧٩١.
٤ سورة الأعراف: الآية ١٥٨.
٥ سورة الفرقان: الآية ١.
1 / 17
تعريف القرآن لغة:
اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في لفظ القرآن لكنهم اتفقوا على أنه اسم فليس بفعل ولا حرف. وهذا الاسم شأنه شأن الأسماء في العربية إما أن يكون جامدا أو مشتقا.
فذهب جماعة من العلماء منهم الشافعي إلى أنه اسم جامد غير مهموز وبه قرأ ابن كثير وهو اسم للقرآن مثل التوراة والإنجيل.
وذهبت طائفة إلى أن هذا الاسم مشتق ثم افترقوا إلى فرقتين:
فقالت فرقة منهم إن النون أصلية وعلى هذا يكون الاسم مشتقا من مادة "ق ر ن" ثم اختلفوا:
١- فقالت طائفة منهم الأشعري١: إنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته إليه ومنه قولهم: قرن بين البعيرين إذا جمع بينهما ومنه سمي الجمع بين الحج والعمرة في إحرام واحد قران.
٢- وقالت طائفة منهم الفراء٢: إنه مشتق من القرائن جمع قرينة لأن آياته يشبه بعضها بعضا.
وقالت فرقة منهم: إن الهمزة أصلية ثم افترقوا أيضا إلى فرقتين:
١- فقالت طائفة منهم اللحياني٣: إن القرآن مصدر مهموز بوزن الغفران مشتق من قرأ بمعنى تلا سمي به المقروء تسمية للمفعول بالمصدر
_________
١ البرهان في علوم القرآن: الزركشي ج١ ص٢٧٨.
٢ الاتقان: ج١ ص٨٧.
٣ المرجع السابق: نفس الموضع.
1 / 18
ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ ١ أي قراءته.
٢- وقالت طائفة منهم الزجاج٢: إنه وصف على وزن فعلان مشتق من القَرْء بمعنى الجمع ومنه: قرأ الماء في الحوض إذا جمعه قال ابن الأثير: "وسمي القرآن قرآنًا لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض وهو مصدر كالغفران والكفران"٣.
تلكم خلاصة الأقوال في تعريف القرآن لغة ولعل الرسم التوضيحي يزيدها بيانا ونستطيع أن نصور هذه الأقوال بطريقتين:
_________
١ سورة القيامة: الآية ١٧-١٨.
٢ البرهان في علوم القرآن: الزركشي ج١ ص٢٧٨.
٣ النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير ج٤ ص٣٠.
1 / 19
تعريف القرآن اصطلاحًا:
اختص القرآن الكريم بخصائص كثيرة ولعل هذه الخصائص سبب الاختلاف في تعريف القرآن بين العلماء، فكل تعريف يذكر خاصية للقرآن يعرف بها لا يذكرها الآخر ولهذا تعددت التعريفات.
فإذا كان هناك رجل طويل ويلبس ثوبًا أبيض ورداء أحمر وحوله أشخاص أقصر منه قامة ويلبسون ثيابًا ملونة وأردية بيضًا، فإن قلت: فلان هو الطويل فقد عرفته، وإن قلت: إنه الذي يلبس الثوب الأبيض فقد عرفته وإن قلت الذي يلبس الرداء الأحمر فقد عرفته والمقصود في الكل واحد وإن اختلفت التعريفات.
وللعلماء في تعريف القرآن الكريم صيغ متعددة بعضها طويل ولعل أقربها تعريفهم للقرآن بأنه:
"كلام الله تعالى المنزل على محمد ﷺ المتعبد بتلاوته".
شرح التعريف:
فقولنا: كلام الله: خرج به كلام الإنس والجن والملائكة.
وقولنا: المنزل: خرج به ما استأثر الله بعلمه أو ألقاه إلى ملائكته ليعملوا به لا لينزلوه على أحد من البشر، ذلكم أن من كلام الله ما ينزله إلى الناس ومنها ما يستأثر بعلمه: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ ١.
﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ ٢.
وقولنا: على محمد ﷺ خرج به المنزل على غيره من الأنبياء كالتوراة
_________
١ سورة الكهف: الآية ١٠٩.
٢ سورة لقمان: الآية ٢٧.
1 / 21
المنزلة على موسى عليه السلاة والإنجيل المنزل على عيسى ﵇ والزبور المنزل على داود ﵇ والصحف المنزلة على إبراهيم ﵇.
وقولنا: المتعبد بتلاوته خرجت به الأحاديث القدسية ونريد بالمتعبد بتلاوته أمرين:
الأول: أنه المقروء في الصلاة والذي لا تصح الصلاة إلا به، لقوله ﷺ: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ١.
الثاني: أن الثواب على تلاوته لا يعادله ثواب أي تلاوة لغيره فقد ورد في فضل تلاوة القرآن من النصوص ما يميزها عن غيرها، فقد روى ابن مسعود ﵁ أن الرسول ﷺ قال: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" ٢.
وليس هذا الثواب لغير التعبد بتلاوة القرآن الكريم.
_________
١ صحيح البخاري ج١ ص١٨٤، وصحيح مسلم ج١ ص٢٩٥.
٢ رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ج٥ ص١٧٥، والدارمي ج٢ ص٤٢٩.
الفروق بين القرآن الكريم والأحاديث القدسية: لعل من المناسب أن نذكر بعض الفروق بين القرآن الكريم والأحاديث القدسية حتى لا يتوهم أحد أن الفرق بينهما مقصور على التعبد بتلاوة القرآن دون الحديث القدسي. إذ إن هناك فروقًا كثيرة ذكر العلماء منها: ١- أن القرآن الكريم تحدى الله الناس أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة من مثله أو بحديث مثله فعجزوا أما الحديث القدسي فلم يقع به التحدي والإعجاز.
الفروق بين القرآن الكريم والأحاديث القدسية: لعل من المناسب أن نذكر بعض الفروق بين القرآن الكريم والأحاديث القدسية حتى لا يتوهم أحد أن الفرق بينهما مقصور على التعبد بتلاوة القرآن دون الحديث القدسي. إذ إن هناك فروقًا كثيرة ذكر العلماء منها: ١- أن القرآن الكريم تحدى الله الناس أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة من مثله أو بحديث مثله فعجزوا أما الحديث القدسي فلم يقع به التحدي والإعجاز.
1 / 22
٢- أن القرآن الكريم منقول بطريق التواتر فهو قطعي الثبوت كله سوره وآياته وجمله ومفرداته وحروفه وحركاته وسكناته، أما الحديث القدسي فأغلبه أحاديث آحاد ظني الثبوت.
٣- أن القرآن الكريم من عند الله لفظًا ومعنى، أما الحديث القدسي فمعناه من الله باتفاق العلماء، أما لفظه فاختلف فيه.
٤- أن القرآن الكريم لا ينسب إلا إلى الله تعالى أما الحديث القدسي فينسب إلى الله تعالى نسبة إنشاء فيقال: قال الله تعالى: ويروى مضافًا إلى الرسول الله ﷺ نسبة إخبار فيقال: قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه.
٥- أن القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون أما الحديث القدسي فيمسه الطاهر وغيره.
٦- أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته من وجهين -كما سبق بيانه.
أ- أن الصلاة لا تصح إلا بتلاوة القرآن دون الحديث القدسي.
ب- أن ثواب تلاوة القرآن ثواب عظيم كما جاء في حديث ابن مسعود ﵁: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" ١ والحديث القدسي ليس في تلاوته الثواب الوارد لتلاوة القرآن الكريم.
٧- أن القرآن الكريم تحرم روايته بالمعنى أما الحديث القدسي فلا تحرم روايته بالمعنى.
٨- أن القرآن الكريم لا يكون إلا بوحي جلي وذلك بنزول جبريل ﵇ على الرسول ﷺ يقظة فلم ينزل شيء من القرآن على الرسول ﷺ بالإلهام أو في المنام، أما الحديث القدسي فنزل بالوحي الجلي والخفي.
_________
١ رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ج٥ ص١٧٥، والدارمي ج٢ ص٤٢٩.
1 / 23
أما ما ورد في صحيح مسلم عن أنس بن مالك ﵁ أنه قال: بينا رسول الله ﷺ ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفي ثم رفع رأسه متبسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله! قال: "أنزلت عليَّ آنفًا سورة" فقرأ: "بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ " الحديث١.
فالواقع أن هذه الإغفاءة ليست إغفاءة نوم ولعلها الحال التي تأتيه عند الوحي حيث يصيبه ﷺ، ثقل في الجسم وتفصد العرق وشبه إغفاءة نوم والله أعلم.
٩- أن القرآن الكريم يحرم بيعه عند الإمام أحمد وقال: "لا أعلم في بيع المصاحف رخصة" ورخص في شرائها وقال: الشراء أهون. ورخص في بيعها الشافعي وأصحاب الرأي٢.
١٠- أن القرآن الكريم تسمى الجملة منه آية والجملة من الآيات سورة، والأحاديث القدسية لا يسمى بعضها آية ولا سورة باتفاق.
١١- أن القرآن الكريم يكفر من جحد شيئًا منه، أما الحديث القدسي فلا يكفر من جحد غير المتواتر منه.
١٢- أن القرآن الكريم يشرع الجمع بين الاستعاذة والبسملة عند تلاوته. دون الحديث القدسي.
١٣- القرآن الكريم يكتب برسم خاص هو رسم المصحف دون الحديث القدسي٣.
_________
١ رواه مسلم ج١ ص٣٠٠.
٢ المغني: ابن قدامة ج٦ ص٣٦٧.
٣ لعله من المناسب أن نذكر هنا تعريف الحديث القدسي في الاصطلاح وهو -كما قال العلماء: ما يضيفه النبي ﷺ إلى الله تعالى، ولروايته صيغتان: الأولى أن يقول الراوي: قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه ﷿، والثانية: أن يقول: قال رسول الله عليه وسلم: قال الله تعالى أو يقول الله تعالى.
1 / 24
أسماء القرآن الكريم وصفاته
مدخل
...
أسماء القرآن الكريم وصفاته:
للقرآن الكريم أسماء وصفات كثيرة وردت في بعض الآيات والأحاديث النبوية.
ولكثرة هذه الأسماء والصفات فقد أفردها بعض العلماء بمؤلفات مستقلة منهم:
١- علي بن أحمد بن الحسن التجيبي الحرَّالي المتوفى سنة ٦٤٧هـ.
٢- ابن قيم الجوزية المتوفى سنة ٧٥١هـ واسم كتابه "شرح أسماء الكتاب العزيز".
٣- صالح بن إبراهيم البليهي "معاصر" واسم كتابه "الهدى والبيان في أسماء القرآن" وهو مطبوع.
٤- محمد جميل أحمد غازي "معاصر" واسم كتابه "أسماء القرآن في القرآن". مطبوع.
٥- د. خمساوي أحمد الخمساوي "معاصر" واسم كتابه "أسماء القرآن الكريم في القرآن". مطبوع.
عدد أسماء القرآن الكريم: وقد وقع الاختلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى في عدد أسماء القرآن الكريم، فذكر الزركشي أن الحرَّالي أنهى أساميه إلى نيف وتسعين اسمًا١. لكن الزركشي نفسه لا يورد إلا خمسة وخمسين اسمًا نقلها عن أبي المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيدله٢. أما الفيروزآبادي فقد قال في كتابه "بصائر ذوى التمييز": "ذكر الله تعالى للقرآن مائة اسم نسوقها على نسق واحد"٣ لكنه -رحمه الله تعالى- _________ ١، ٢ البرهان في علوم القرآن: الزركشي ج١ ص٢٧٣. ٣ بصائر ذوى التمييز: الفيروزآبادي ج١ ص٨٨.
عدد أسماء القرآن الكريم: وقد وقع الاختلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى في عدد أسماء القرآن الكريم، فذكر الزركشي أن الحرَّالي أنهى أساميه إلى نيف وتسعين اسمًا١. لكن الزركشي نفسه لا يورد إلا خمسة وخمسين اسمًا نقلها عن أبي المعالي عزيزي بن عبد الملك المعروف بشيدله٢. أما الفيروزآبادي فقد قال في كتابه "بصائر ذوى التمييز": "ذكر الله تعالى للقرآن مائة اسم نسوقها على نسق واحد"٣ لكنه -رحمه الله تعالى- _________ ١، ٢ البرهان في علوم القرآن: الزركشي ج١ ص٢٧٣. ٣ بصائر ذوى التمييز: الفيروزآبادي ج١ ص٨٨.
1 / 25