Struggle with Atheists to the Core
صراع مع الملاحدة حتى العظم
Mai Buga Littafi
دار القلم
Lambar Fassara
الخامسة
Shekarar Bugawa
١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م
Inda aka buga
دمشق
Nau'ikan
في سلسلة
أعدَاء الإسلام
٢
صِرَاعُ مَعَ المَلاحِدَة
حتى العظم
تأليف
عبد الرحمن حسن حبنّكة الميداني
دار القلم
دمشق
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة على خاتم أنبيائه
وإخوانه الأنبياء والمرسلين، حَمَلة رسالات الهدى،
ودُعَاة الخلق إلى الحق.
اللهم ألهِمنا الصواب، وآتِنا الحكمة وفصل
الخطاب.
1 / 6
الإهْدَاء
إلى كل مفتون بتزييفات المبطلين، مخدوع بزخارف أقوال الملحدين.
إلى كل ناشد للحقيقة الكبرى في الوجود، حريص على النجاة، طالب للسعادة الخالدة.
إلى الشباب المؤمن الذي يودّ أن يدمغ الملاحدة بالبراهين الساطعة والحجج القاطعة.
أقدم هذا الكتاب الذي يمكن أن يعتبر معركة جدلية مع طائفة الملحدين المعاصرين، جنود الشياطين، وأجراء اليهودية العالمية، التي تكيد لكل حق، ولكل أمة، ولكل خير، ولكل فضيلة.
اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ووفقنا لما تحب وترضى، واجمع كلمة المسلمين على الهدى والتقوى، وانصر أولياءك على أعدائك، وأيَّد جندك على جند إبليس، وحقق وعدك إذ قلت وأنت لا تخلف الميعاد:
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾
(الأنبياء/٢١ مصحف/٧٣ نزول)
1 / 7
الفصل الأول
مقدمات
لولا واجب حماية المسلمين من تضليلات المضلين، حتى السخفاء والتافهين، لما كان (د. العظم) يستحق النظر فيه، ولا الالتفات إليه.
1 / 9
(١)
تصدّى لمحاربة الإسلام متصدّون كثيرون بوسائل مختلفة، فتحطّموا وتكسّرت على حقيقته الثابتة المتينة نظرياتهم وجدلياتهم وأقوالهم المزخرفة، وتكشفت بنوره تزييفاتهم وأكاذيبهم وأباطيلهم وظل الإسلام بحقه ونوره يتحدى كل مخالف له، ويصرع كل مصارع، ويطحن كل محارب.
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾
(الصف/٦١ مصحف/١٠٩ نزول)
هذا وإني ما زلت أعتقد أنه من غير المستحسن إثارة معارك جدلية مع الملحدين من أعداء الإسلام، حتى لا تعطيهم هذه المعارك فرصة لنشر آرائهم بين أبناء المسلمين، وحتى لا تكسبهم هذه المعارك دعاية يستغلونها لنشر أسمائهم، وترديد أفكارهم وآرائهم الباطلة، وبإهمالهم يتساقطون تساقطًا ذاتيًا أمام سلطان الحق المالئ للوجود، وينساهم الزمان كما نسي أسلافهم، وتطويهم الحقائق طي وفاة الهالكين، ما زلت في هذا الاعتقاد إلى أن ألحَّ عليَّ فريق من أهل الغيرة على الإسلام، أن أكشف زيف بعض الملاحدة المعاصرين الذين تصدوا لمحاربة الإسلام في جذوره الكبرى، بمكتوباتهم ومنشوراتهم التي حاولوا أن يضعوا لها هالة البحث العلمي، والنقد الحر الجريء، وبرر لي هؤلاء الأحبة من أهل الغيرة ضرورة العمل، وأنه قد أصبح واجبًا إسلاميًا متحتمًا، باعتبار أن طائفة من طلائع فتياننا وفتياتنا قد أثرت في نفوسهم وأفكارهم بعض أباطيل هؤلاء الملاحدة وسفسطاتهم ومغالطاتهم، حتى نقلني إلحاحهم من موقع الرفض إلى موقع التردد، وبقيت متردِّدًا حولًا كاملًا، حتى أعاد هؤلاء الأحبة الغيورون على إلحاحهم في صيف عام ١٣٩٣-١٩٧٣م، فاستخرت الله، وعزمت على تحقيق الطلب، وكتبت هذا الصراع العلمي المنطقي المحتشم، التزامًا بآداب المناظرة والجدال بالتي هي أحسن، ما لم يستدع رد الضربة الباطلة بكفئها من الحق.
1 / 11
ورجوت من هذا الصراع أن يحقق الله سنته التي أعلنها بقوله في سورة (الرعد/١٣ مصحف/٩٦ نزول):
﴿أَنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ﴾ .
والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سبيل الرشاد والسداد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
(٢)
لو عرف كثير من الملاحدة أن اليهود المقنعين يحرثون على أكتافهم وظهورهم مزارع سياستهم، ولا يدفعون لهم مقابل ذلك إلا الغرور بالنفس والأجر اليسير، والفحش الكثير، والخمر والحشيش، والمواعيد الكاذبة، والأوهام الخادعة، لاستقام تفكيرهم، وتيقظت بصائرهم، ولرجعوا إلى صفوف المؤمنين بالله، يكافحون الإلحاد ومن يغذيه أو يدفع إليه.
إن اليهود الذين وضعوا أو دعموا ما أسموه بالنظريات المناقضة للدين، وزعموا أنها حقائق علمية زورًا وبهتانًا، وأدخلوها ضمن حشد التقدم العلمي المعاصر، أرادوا أن يخدعوا بها أجيال المثقفين ليخرجوهم من صفوف أمتهم ويستخدموهم جنودًا يدمرون بهم كل المواريث الإنسانية والتعاليم الربانية.
ألا فليعلم هذه الحقيقة شباب مضللون سائرون في طريق الإلحاد، أو واصلون إلى غايته، أو متطلعون إلى السير فيه.
(٣)
قرأت طائفة من مكتوبات ملاحدة القرن العشرين، فرأيتها حشدًا من المغالطات الفكرية المقرونة بزخرف من القول، والمقنَّعة بقناع العلمانية. فهي تحاول أن تُدَلِّي قارئها بغرور إلى مواقع الباطل، مغشية بصره وبصيرته حتى لا يرى
1 / 12
وجه الحق الجميل، ثم تنتقل به من تضليل إلى تضليل، مستخدمة عبارات الأمانة العلمية، وغوغائيات كلمات التقدم الصناعي والتكنولوجيا، ومعطية أحكامًا قطعية على مذاهب ومبادئ لا تمثل إلى وجهة نظر معينة لفئة من العلمانيين، تخالفها وتناقضها وجهات نظر أخرى تدعمها مدارس علمانيَّة كثيرة، من علمانيات القرن العشرين نفسه، قرن التقدم المادي على اختلاف جوانبه واختصاصه.
وتسير جدليّاتهم ضمن هذا المنهج من المغالطات والغوغائيات والتقريرات، والعبارات التي تتصنَّع الهدوء والمنطقية، وتستغل كل ثقل التقدم العلمي الذي أحرزه إنسان القرن العشرين لأنفسها ومذاهبها، مع أن التقدم العلمي والتكنولوجيا بعيد كل البعد عن دعم مذاهبها، أو تأييد إلحادها بالله، وجحودها اليوم الآخر، لدى تحري الحقيقة بصدق، في كل مجالات التقدم الصحيح الحق، في العلوم المادية والتكنولوجيا. وتدس جدلياتُهم في بعض عباراتها نفثات الهزء والسخرية، وتبجحات التعاظم بالتقدم العلمي والصناعي، وذكر الأسماء الأجنبية المعروفة في ميادين المعرفة والعلوم المادية وسيلة للتأثير على الضعفاء المراهقين في عقولهم ونفوسهم، الذين لا يصمُدون لاستهزاء المستهزئين من أهل الباطل، وتستهويهم مظاهر الاستكبار والتعاظم، وتخدعهم دعاوَى المعرفة والتقدم العلمي الحديث، وتؤثر في نفوسهم الأسماء المشهورة في ميادين العلم.
وأمام هذه المغالطات والغوغائيات الجدلية، ذكرت قول الله تعالى في سورة (الكهف/١٨ مصحف/٦٩ نزول):
﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُو؟اْ آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُواْ هُزُوًا﴾ .
(٤)
قرأت فيما قرأت مقولات "نقد الفكر الديني" للدكتور صادق جلال العظم، الحائز على لقب "دكتور" من الذين دسَّوا الكفر في فكره إذ منحوه هذا اللقب، فرأيت في مقولاته عجبًا من المغالطات والأباطيل والافتراءات، وسائر وسائل الجدال بالباطل لدحض قضية الحق.
1 / 13
وكنت قلت في نفسي قبل أن أقرأ مقولاته بإمعان: لعله باحث أخطأ وجه الصواب، وعاب بانحرافه الحق الذي لا يعاب، ولكني بعد أن قرأت كتابه رأيته نموذجًا من التضليل المراد، القائم على المغالطات والأكاذيب والادِّعاءات الباطلة، وستر وجه الحق الديني الذي تصدى لمحاربته علنًا، وتزيين وجه الباطل الإلحادي الذي حمل لواء مناصرته والتبشير به.
وقد كنت قرأت علوم الفلسفة والمنطق والمناظرة، ومررت فيها على ما يسمونه (بالمغالطة) وما يسمون (بالسفسطة) فإذا سئلت عن أمثلة لهما لم ينجدني الخيال إلا بأمثلة محدودة، رغم الكد الذهني الذي أبذله، فلما قرأت مقالات "نقد الفكر الديني" ظفرت منها بأمثلة كثيرة للمغالطات وأنواع السفسطات التي تعمدها كاتبها الناقد (د. العظم) ليضلل بها من يطالع كتابه من مراهقي الفتيان والفتيات، من أجيال الأمة الإسلامية، خدمة متحمسَة للماركسية والداروينية والفرويدية وسائر النظريات بل (الفرضيات) اليهودية الإلحادية، وهو في كل ذلك يتستر بعبارات التقدم العلمي والصناعي، والمناهج العلمية الحديثة، ولا يقدم من البينات إلا قوله مثلًا: إن العلم يرفض هذا، أو لا يسلم بهذا، أو يثبت هذا، دون أ، يطرح مناقشات علمية نقدية تتحرى الحقيقة.
فمن غريب ما فعل في منطقه الشاذ أنه جمع كل الأديان، وكل ما فيها من حق وباطل، وكل ما نسب إليها من ضعيف وقوي وفاسد وصحيح، وقال: هذه هي الأديان، ثم وجه النقد اللاذع للباطل الظاهر، وللضعيف البين، وللفاسد المعروف فساده، ثم صنع من ذلك مقدمة فاسدة استنتج منها إبطال الدين كله.
لقد رأى في مقدمته الفاسدة أن الاتجاهات الدينية يوجد فيها ما هو باطل مخالف للحقائق العلمية، التي توصل إلهيا البحث العلمي (ووضع الأديان المختلفة كلها في دائرة واحدة) ثم زعم أنه لما كان الدين كله يمثل جبهة واحدة، وقد وجد الباطل في جانب من جوانب هذه الجبهة، ولما كان الدين متماسك الحلقات متى انتقض بعضه انتقض كله، فالنتيجة التي يستخلصها الفكر العلمي هي أن الدين كله مشكوك به، ولا يصح الاعتماد عليه ولا الأخذ به.
1 / 14
هذه هي حجة (د. العظم) في إبطال الدين كله، ولست أدري هل يقبل إنسان يملك الحد الأدنى من التفكير المنطقي السليم هذا النوع من الاستدلال العظمي الذي ليس له أسر (١) يشده، ولا لحم يملؤه، ولا إهاب يزينه، أو تجرى فيه دماء حياء أو حياة.
على هذا القياس العظمي نستطيع أن نبطل العلوم المادية كلها، ونجعلها شيئًا غير موثوق به مطلقًا، فنقول: إن الاتجاهات العلمانية التي تعتمد على البحث العلمي المدروس بأناة واختبار وتجربة للوصول إلى الحقائق هي اتجاهات باطلة مزيفة، بدليل أننا نلاحظ عند أصحاب هذه الاتجاهات نظريات متناقضة، ونلاحظ بعضها فاسدًا قطعًا، وبعد هذه المقدمة نُصدر وفق القياس العظمي حكمًا قطعيًا عامًا على كل الاتجاه العلمي، ونقول: هو اتجاه مشكوك به، باعتبار أن فيه نظريات باطلة، وبما أن أصحاب الاتجاه العلماني يُمثلون جبهة واحدة، ومتى ظهر الفساد في بعضها فلا بد أن يكون الفساد أو الشك شاملًا لها كلها، وبناءً على ذلك فالاتجاه العلماني باطل كله!.
لو قال هذا الكلام واحد من المتدينين لقال الناس جميعًا - وفيهم المتدينون أنفسهم-: هذا إنسان فاسد العقل فاسد التفكير.
أما سيادة العظم فيقول مثله تمامًا عن الاتجاه الديني كله، وهو يتظاهر بحرصه الشديد على الأمانة العلمية التي تنشد الحقيقة، ثم لا يجد بين العلمانيين الماديين من يوجه له نقدًا أو تصحيحًا منطقيًا، فأين الأمانة العلمية التي يزعمونها ويتبجحون بها؟!
أهذا أمانة علمية؟ أم هو مغالطة، وخيانة للعلم، وخيانة لأصول العقل السليم والمنطق السديد؟
هل يصح في أصول العقل السليم تعميم مثل هذا التعميم؟ إن هذا التعميم
_________
(١) الجملة العصبية.
1 / 15
الفاسد لا يفعله بقَّال ولا بائع خضراوات، بل نرى البقَّال يصنف بقوله، ويميز بين الفاسد والصحيح منها، ونرى بائع الخضروات كذلك يميز بين الفاسد والصحيح من خضرواته، ثم لا يرفض أصحاب الحوائج كل ما عندهما، ولا كل ما عند جميع البقالين وبائعي الخضراوات، لأن بعضهم يوجد عنه فاسد من بقول أو فاسد من خضراوات.
فأين المنهج العلمي الذي يتبجح به؟ وأين الأمانة العلمية التي يتظاهر بالغيرة عليها؟
قرأت جدليات (د. العظم) وجدليات غيره من أساطين الإلحاد، فرأيت أن جدلياتهم كلها تعتمد على المغالطة الفاحشة الوقحة، أو المغالطات المقنعة بالحيلة والخداع، ولدى إحصاء هذه المغالطات وجدتها تعتمد على العناصر التالية:
١- تعميم أمر خاص، والمغالطة هنا تنسب إلى بعض أفراد العام ما ليس له من أحكام بغية التضليل.
٢- تخصيص أمر عام، والمغالطة هنا تنفي عن بعض أفراد العام ما له من أحكام بغية التضليل.
٣- ضم زيادات وإضافات ليست في الأصل.
٤- حذف قيود وشروط لازمة، يؤدي حذفها إلى تغيير الحقيقة.
٥- التلاعب في معاني النصوص لإبطال حق أو إحقاق باطل.
٦- طرح فكرة مختلفة من أساسها للتضليل بها.
٧- تصيّد بعض الاجتهادات الضعيفة لبعض العلماء وجعلها هي الإسلام، مع أنها اجتهادات منتقدة مردودة من قبل مجتهدين آخرين، أو من قبل جمهور علماء المسلمين.
٨- التقاط مفاهيم شاذة موجودة عند بعض الفرق التي تنتسب إلى الإسلام، وإطلاقها على أنها مفاهيم إسلامية مُسلَّم بها عند المسلمين، والإسلام منها بريء براءة الحق من الباطل.
٩- نسبة أقوال أو نصوص إلى غير قائليها أو إلى غير رواتها.
1 / 16
١٠- كتمان أقوال صحيحة، وعدم التعرض إليها مطلقًا، مع العلم بها وشهرتها.
١١- الإيهام بأن العلوم المادية ملحدة على خلاف ما هي عليه في الواقع.
وعلى هذا النمط تسير مغالطاتهم ضمن تلاعبات كثيرة فيها خيانة للعلم وللحقيقة.
ولكني أرجو أن لا تنطلي مغالطاتهم وحيلهم وألاعيبهم على مثقفي هذه الأمة، وأن يكتشف الجميع خيانتهم لأمتهم وتاريخها، وخيانتهم لأنفسهم إذ باعوا نفوسهم لأعداء الحق شياطين الإنس، وأن يكون رائد هؤلاء المثقفين محبي الخير لأمتهم وأنفسهم أن يتحققوا بمضمون الدعاء التالي:
"اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، ووفقنا لما تحب وترضى".
والناقد (د. العظم) قد استخدم في كتابه "نقد الفكر الديني" معظم عناصر المغالطات التي أوضحتها آنفًا، غير مكترث بالحقيقة، ولا بالأصول المنطقية الصحيحة، ولا بالبحث العلمي السليم، وأما الأمانة العلمية التي تباكى من أجلها وتظاهر بالحرص الشديد عليها فلم يُقم لها أي وزن، بل راح يطعنها في الصميم لدعم قضية الإلحاد التي حمل لواءها، وانطق يبشر بها بين أبناء الأمة العربية.
أفبهذه المغالطات تُنشد الحقيقة العلمية؟
أفبهذه المغالطات تكون المحافظة على الأمانة العلمية؟
أهذه هي الأصول المنطقية المتقدمة التي يعتمد عليها؟
إن الحق الذي تنكره اليوم أيها الجاحد لن تستطيع أن تنكره غدًا يوم الدين، ولن تستطيع أن تجحده إذا أراد الله أن ينزل بك شيئًا من معجَّل عقابه، وعندئذٍ لن تستطيع الشيوعية العالمية، ولا اليهودية العالمية، ولن يستطيع ملاحدة الدنيا أن ينقذوك من قبضة العدل الإلهي.
إن عذاب الله لشديد، ولئن استهنت به وأنت مغرور متمتع بصحتك وقوتك، فلن تستهين به يوم يمسُّك شيء منه، إن ربك لبالمرصاد، وإنه لا يخلف الميعاد.
1 / 17
لن يضر الحق شيئًا أن يجحده جاحدوه، أو ينكره منكروه، فالله حق وبيده مقاليد كل شيء، وهو على كل شيء قدير.
ولكن إنكار الحق ﵎ يضر المنكر وحده، وجحوده ﵎ يضر الجاحد وحده، فهو بجحوده وإنكاره واستكباره يخسر نفسه وسعادته، ويقذف بهما إلى العذاب الأليم.
أيها الملحدون: اسمعوا قول الله تعالى في سورة (آل عمران/٣ مصحف/٨٩ نزول):
﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُو؟اْ إِثْمًَا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ .
* ... * ... *
1 / 18
الفصل الثاني
الحقيقة بين الدين والعلم
1 / 19
(١)
حاول الناقد (د. العظم) بمغالطاته وافتراءاته الكثيرة - أُسوة بسائر ملحدي هذا العصر - أن يثبت أن الدين مناقض للعلم، ليتوصل من ذلك إلى نقض الدين كله جملة وتفصيلًا، وقد جعل هذه النقطة هي المحور الأساسي الذي دار حوله في محاربته للدين، ونقده المزعوم المزور للفكر الديني، ونقضه المزيف الكاذب لقضية الإيمان بالله من أساسها.
من أجل ذلك عقدت هذا الفصل "الحقيقة بين الدين والعلم" قبل الدخول مع العظم في المعركة الجدالية، حول النقاط التفصيلية التي أثارها في جدلياته غير الشريفة وغير الأمينة، لأكشف فيه مواقع النظر السليم إلى كل من العلم والدين، ولأحدِّد فيه أبعاد كل منهما، ومواطن الشبهات التي قد يقع فيها هؤلاء أو هؤلاء، وبذلك ينكشف للقارئ منهج الحق قبل أن يشهد في هذا الكتاب فصول الصراع الجدلي على النقاط التفصيلية التي أثارها العظم، فمن عرف قواعد الصواب والخطأ في موضوع ما قبل أن يشهد حلبة الصراع فيه استطاع في نفسه أن يكون حكمًا، ويعرف المحق من المبطل، ويعرف المستقيم المقسط من المراوغ المخادع.
(٢)
تجوزًا في التعبير، ومتابعة لما هو دارج على ألسنة الناس، أضع هذا العنوان (الحقيقة بين الدين والعلم) لهذا الفصل، مع أن الحقيقة أن الدين الحق ليس قسيمًا مغايرًا للعلم، وإنما هو علم عن طريق الوحي، وما جاءت به طريق الدِّين اليقينية هو من قبيل الحقائق العلمية، وللحقائق العلمية طرق إثبات أخرى هي الوسائل الإنسانية البحتة.
1 / 21
فالمقابلة إذن ليست بين الدِّين والعلم، ولكن بين طرق اكتساب العلم الذي يأتي به الدين، وطرق اكتساب المعرفة الإنسانية البحتة، كطريق الحس المباشر لإدراك المعارف، وهو الإدراك القائم على المشاهدة والتجربة، وكطريق العقل لاستنباط المعارف التي لا تُدرك بالحس المباشر، وهذه الوسائل الإنسانية المختلفة وأدواتها التي تستخدمها، هي منحة من الله لعباده، حتى يستخدموها في اكتساب المعارف والعلوم، ولذلك كان الإنسان مسؤولًا عنها عند الله في مجال اكتساب العلم، فقال الله في سورة (الإسراء/١٧ مصحف/٥٠ نزول):
﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾
وهذه السوائل الإنسانية تقدم بدورها شهادة يقينية بالحقائق التي توصلت إليها، أو شهادة ترجيحية بالمعارف التي ترجحت لديها بغلبة الظن، وكذلك الوحي الجامع لطرق اكتساب العلم الذي يأتي به الدين، هو أيضًا منحة من الله لعباده، وقد جعله الله للناس طريقًا لاكتساب طائفة من العلوم، وهي التي يطق عليها اسم علوم الدين، ونلاحظ أن أهم ما يختص بها العلوم الغيبية التي لا تدركها الحواس الإنسانية، ولا تستطيع العقول بوسائلها إثابتها مستقلة عن أنباء الدين.
أما الحقيقة بالنسبة إلى الأمور الوجودية (غير الاعتبارية وغير النسبية) فهي واحدة، والإدراك الحسي يقدم شهادة بما توصل إليه من نتائج نحو الحقيقة، ويرافق الإدراك الحسي الوسائل المادية التي يستخدمها الحس، كالملاحظة والتجربة مع الأدوات والآلات التي تثبت صحة شهاداتها، كالمقاييس والموازين والكواشف المختلفة، وذوات الإحساس المادي غير الإرادي الكيميائي والفيزيائي، حتى الذري الإلكتروني. والاستنتاج أو الاستدلال العقلي يقدم أيضًا شهادةً بما توصل إليه من نتائج نحو الحقيقة. ولا يمكن أن تتناقض نتائج الإدراك الحسي ونتائج الاستدلال العقلي إلا وأحدهما أو كلاهما مصاب بالخلل، وذلك لأن كلًا منهما منحة ربانية وضعها الخالق بين يدي الإنسان ليعرف بها حقائق الأشياء، كما وضع بين يدي كل منهما وسائل البحث التي تقدم شهاداتها عن مشاهداتها، والطرق
1 / 22
الصحيحة التي تقصد أمرًا واحدًا لا بد أن توصل إلى غاية واحدة ونتيجة واحدة، أو غير متناقضة على أقل تقدير، إذ تتكامل الحقيقة مما قدمت هذه الطرق من مدركات، أو يعرف بها جزء من الحقيقة، على قدر ما استطاعت أن تكشف منها.
ثم إن الوحي الذي هو منحة من الله لعباده عن طريق النبوَّة هو أيضًا طريق من طرق المعرفة الصحيحة، فهو يقدم شهادة بالحقيقة، ومتى كان الخبر عن الوحي يقينيًا مقطوعًا به فإنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يتناقض مع اليقين الذي تُوصل إليه الوسائل الإنسانية البحتة. ولو أمكن أن تتناقض لكان معنى ذلك أن الفاطر الحكيم لم يضع بين أيدينا الوسائل الصحيحة التي تكسبنا المعارف والعلوم الحقة، أو لم يصدقنا فيما أخبرنا به عن طريق الوحي، وكل من الأمرين مستحيل عقلًا وشرعًا.
فالله ﵎ جعل وسائل المعرفة فينا مسؤولية في ميدان المعرفة والبحث العلمي، ومسؤوليتها هذه رهن بأنها من الطرق الموصلة إلى الحقيقة، كما جعلنا مسؤولين عن التسليم بما يخبرنا به عن طريق الوحي، لأن برهان العقل قد قام لدينا بأن ما يخبرنا به الرسول عن طريق الوحي صدق وحق، والجامع بين الأمرين هو أن كلًا منهما يقدم شهادة بالحقيقة، وبما أن الحقيقة واحدة فإنه لا يمكن أن تتناقض نتائج الطرق الصحيحة الموصلة إليها، ومتى ظهر التناقض فلا بد أن يكون ذلك لخلل أصابها أو أصاب واحدًا منها.
فمن الأمثلة ما يلي: لقد أخبرنا الله أنه لا إله إلا هو، وهذا خبر جاءنا به الوحي فقدم لنا شهادة بحقيقة وحدانية الخالق ﵎، والبحث العلمي في هذا المجال لا بد أن يوصل إلى هذه الحقيقة نفسها، ولذلك قال الله تعالى في سورة (آل عمران/٣ مصحف/٨٩ نزول):
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًَا بِالْقِسْطِ..﴾ .
فلدينا إذن حول هذه الحقيقة شهادة الله إذ أخبرنا بوحدانيته عن طريق الوحي والرسل، ولدينا أيضًا شهادة أولي العلم الذين توصلوا إلى هذه الحقيقة عن طريق البحث العلمي.
1 / 23
فمن الغفلة الكبيرة والجهل بأصول المعرفة، إقامة الصراع والنزاع بين ما يأتي من المعارف الكونية عن طريق الدين، وما يأتي منها عن طريق الوسائل الإنسانية، مع أن هذه وتلك شواهد إلهية أقامها الله بين يدي الإنسان ليعرف بها الحقيقة، وهل يشهد الله شهادتين متناقضتين أو يضللنا سبحانه فيضع لنا وسيلتين تعطي كل منهما نتيجة مناقضة للأخرى في موضع واحد؟
هذا أمر لا يكون في حال من الأحوال، وحكمة الله العلي العليم الحكيم القدير تأباه.
وواجبنا لدى البحث عن الحقيقة أن نحرر تحريرًا دقيقًا ما تأتينا به الوسائل الإنسانية من المعارف، وما يصلنا من أخبار الوحي.
وكل مظهر للتناقض بين ما تشهد به الوسائل الإنسانية للمعرفة وما تشهد به النصوص الدينية لا يعدو أحد الاحتمالات التالية:
١- إما أن يكون الذي نسب إلى العلم لم يصل إلى مرحلة العلم المقطوع به، كالنظريات التي لم تتأكد بعد، والتي ما زالت رهن البحث والنظر، أو التي لا سبيل إلى إثباتها بأدلة علمية يقينية، وإن اعتقدها العلماء الماديون لعدم وجود ما هو أقوى منها في نظرهم المادي البحت، ولأنه لا اختيار لهم بعد ذلك إلا التسليم بما جاء به الدين، وهم يرفضون نفسيًا هذا الأخير.
٢- وإما لأن الذي نسب إلى الدين لم يصل إلى درجة القطع في نقل النص الذي تضمنه.
٣- وإما لأن الفهم الذي فُهم به النص الديني فهم خاطئ، وهذا الفهم لا يتحمل النص الديني وزر خطئه، وغنما يعبر عن رأي من فهمه على هذا الوجه المخالف للحقيقة العلمية، التي توصلت إليها الوسائل الإنسانية، كمسألة كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس.
وهنا نلاحظ أن النصرانية لما سقطت في طائفة من المفاهيم الباطلة الدخيلة على أصل الدين، والمخالفة له، والمناقضة لأصول العقل والعلم الصحيح،
1 / 24
حاولت أن تتلخص من ورطتها هذه بمقالتها المشهورة: "الدين لا يخضع للعقل" وأطلق علماؤهم بين بين أتباعهم كلمتهم المأثورة: "أطفئ مصباح عقلك واعتقد وأنت أعمى" وحرموا التفكير والنظر في مسائل الدين، وفرضوا عليهم التسليم الأعمى بالإله المثلث دون مناقشة ولا نظر، مع أن أصول العقل السليم ترفض هذا رفضًا قطعيًا، ولا تسلم به النفوس إلا مع تعطيل منطق العقل، ورافق ذلك أنهم أقفلوا باب العقل والبحث العلمي نهائيًا عن كل مسألة تعرضت إليها نصوص دينهم، حتى ما كان منها متعلقًا بواقع الكون الذي تستطيع الوسائل الإنسانية أن تصل إلى معرفته.
ولما جاء الإسلام رفض هذا التثليث الدخيل على دين الله، ونادى بالوحدانية، وقدم على ذلك شهادة من عند الله، نزل بها الوحي على رسول الله محمد ﷺ، وشهادة من أولي العلم، فجعل العقل العلمي شاهدًا على هذه الحقيقة، وناقض مخالفيها على أساس من العقل والعلم، واعتبر العقل في هذا سندًا يُستفتى ويُستشهد به، ولو كان البحث العلمي الإنساني السليم سيوصل إلى القطع بحقائق لا يوافق عليها الدين لما دعاه الإسلام إلى تقديم شهادته بالحقيقة، ولما أرشد الله العلماء إليه، ووضع في أيديهم وسائله، ودفع بهم إليه دفعًا، فقال الله تعالى في سورة (يونس/١٠ مصحف/٥١ نزول):
﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ...﴾ .
وقال في سورة (العنكبوت/٢٩ مصحف/٨٥ نزول):
﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ...﴾ .
وقال في سورة (الذاريات/٥١ مصحف/٦١ نزول):
﴿وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي؟ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ..﴾ .
ولما ناقش الناس بدلائله (أي: بدلائل العقل)، ففي إثبات الوحدانية قال الله تعالى في سورة (الأنبياء/٢١ مصحف/٧٣ نزول):
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾
1 / 25
وقال في سورة (المؤمنون/٢٣ مصحف/٧٤ نزول):
﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ اله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ .
وفي إثبات وجود الله ناقش بالمنطق العقلي البحت فقال الله تعالى في سورة (الطور/٥٢ مصحف/٧٦ نزول):
﴿أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ .
إلى غير ذلك من شواهد كثيرة (١)
(٣)
الغيب ومنطق العقل
حينما يناقش علماء النصارى في مسألة التثليث أو غيرها من المسائل التي يرفضها منطق العقل، يدافعون بأن الدين لا يخضع لمنطق العقل، إذ هو فوق مستوى العقل البشري، ويجب التسليم بكل ما جاء فيه، ولو كان العقل يرفضه رفضًا باتًا لاستحالته.
وظل رؤساء الدين عندهم يهيمنون على أتباعهم بهذه الحجة، حتى قامت الثورة العلمية المادية الحديثة، ففجرت جوانب البحث العلمي في كل مجال من المجالات العلمية التي يستطيع الإنسان أن يتوصل إليها، وأيقظت الفكر النصراني من سباته الذي لازمه قرابة خمسة عشر قرنًا، ثم امتد أثره إلى الأمم الأخرى، ومع هذه اليقظة العلمية أخذ المثقفون منهم يفكرون في قضية التثليث، وفي قضايا مشابهة، يقال عنها: إنها من أمور الدين التي هي فوق مستوى العقل، ويجب التسليم بها، ولو كان العقل يرفضها قطعيًا ويرى أنها مستحيلة، فلم تهضمها
_________
(١) شرحت طائفة منها في كتابي: "العقيدة الإسلامية وأسسها".
1 / 26
عقولهم، وبدأوا يتشككون في صحة ديانتهم من أساسها، وقام الصراع المعروف بين قوتين:
قوة تقليدية لها مؤسسات ورياسات دينية وأنظمة حكم تدعمها.
وقوة أخرى أخذت سبيلها إلى النهوض المادي عن طريق البحث العلمي، ومناقشة الأمور بالعقل والمنطق وسائر وسائل البحث الإنساني للوصول إلى المعرفة الصحيحة.
وانتهت معركة الصراع بمحاصرة الديانة النصرانية وحجزها داخل جدران الكنيسة، ثم أخذت الأجيال النصرانية سبيلها إلى إنكار ديانتهم، والشك في صحتها من أساسها، وعاشت في فراغ فكري وروحي خطير، وفي هذا الجو النفسي المستعد لملئه بشيء آخر نشط دعاة الإلحاد الماديون يبثون أفكارهم الإلحادية، واستغلت اليهودية العالمية هذا الواقع أو ساهمت في التدبير له، وشحنته بما يلزم من الآراء الإلحادية والنظريات الخادمة لقضية الإلحاد، فأخذ الإلحاد ينتشر في أوروبا انتشار النار في الهشيم، وتبعتها شعوب أخرى، ودار دولاب الانهيار في الغرب والشرق متسارعًا بشكل خطير، مؤذن بدمار قريب تتحقق فيه سنة الله في الأمم.
والمسؤول عن كل ذلك أو معظمه العلماء بالنصرانية ورؤساء الكنيسة، لأنهم لم يصححوا العقائد المزيفة، الدخيلة على أصول ديانتهم، والتي كان اليهود من قبل قد عملوا على إدخالها فيها لإفساد أصول النصرانية، ثم لم يعمل هؤلاء الرؤساء الدينيون لإقناع شبابهم المثقف بالحجة والبرهان.
وهنا يتساءل الشاب المسلم المثقف فيقول: ما هو موقف الإسلام من العقل، ومما تثبته وسائل المعرفة الإنسانية تجاه ما جاء به الدين؟
ومن واجبنا أمام هذا التساؤل أن نحرر الجواب تحريرًا شاملًا شافيًا:
أولًا: من نعمة الله علينا في الإسلام أن أصوله وأركانه قد سَلِمت من التغيير والتحريف، فلم يصبها شيءٌ، مما أصاب أصول الأديان الأخرى من ذلك، فليس
1 / 27