فالبصرة، وهذا كلّه يضعف متون الرّوايات الّتي تصوّر عائشة ﵂ هاربة وتَتَيامَنُ عن أوطاس (^١) خَشْيةً من عليّ.
عائشة تهمُّ بالرّجوع والزّبير يثنيها عن عزمها
فلمّا خرجت عائشة ﵂ ومن معها من الصّحابة ﵃ وكانوا على نيّتها ورأيها في الإصلاح، تذكّرت أنّ النَّبيَّ ﷺ كان قد حَذَّرَ في حياته أمّهات المؤمنين من هذه الفتنة، فلمّا رأت أمُّ المؤمنين ﵂ آية ذلك همّت بالرّجوع؛ لكنّ الزبير ﵁ ثناها عن عزمها لما كان يرجوه في خروجها من إصلاح بين النّاس، ولما كان يأمله في رؤية النّاس لها من جمعٍ للكلمة، ولم يكن يعلم ﵁ أنّه يسير إلى قدره!
فقد أخرج أحمد بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم، أنّ عائشة لمّا أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: " ما أظنّني إلاّ راجعة لأنّ رسول الله ﷺ قال لنا: أيتكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب (^٢). فقال لها الزّبير ﵁: ترجعين؟! عسى الله ﷿ أن يصلح بك بين النّاس " (^٣).
وممّا يدلّك على حسن نيّة من خرج معها، أنّ الزّبير لمّا التقى مع عليّ ذكّره عليّ بحديث سمعه من رسول الله ﷺ فرجع، فقال له ابنه عبد الله: " ... وللقتال جئت! إنّما جئتَ لتصلحَ بين النّاس ويصلح الله هذا الأمر بك " (^٤).
(^١) قال ياقوت: أوطاس (البريكة): واد في ديار هوازن فيه كانت غزوة حنين " معجم البلدان " (ج ١/ص ٢٨١).
(^٢) الحوأب: منزل بين مكّة والبصرة.
(^٣) أحمد " المسند " (ج ١٧/ ص ٢٧٣/رقم ٢٤١٣٥).
(^٤) الحاكم " المستدرك " (ج ٣/ص ٣٦٦) كتاب معرفة الصّحابة، وأخرجه البيهقي في " دلائل النّبوّة " = = (ج ٦/ص ٤١٥) ونقله ابن كثير في " البداية والنّهاية " (م ٦/ص ٢١٣) وعزاه للمصنّف (البيهقي)، وقال: غريب.