إن لينين لم ينتخب ستالين خلفا له، بل يقال: إنه على العكس من ذلك لم يكن شديد الرغبة في أن يخلفه ستالين؛ فإن لينين لم يكن شديد التحمس لكفاءة ستالين خلال فترة طويلة من حياته؛ بل إن بعض الذين أرخوا حياة لينين قرروا أنه ترك وصية سياسية يدعو فيها إلى البحث عن شخص آخر بدلا من ستالين لكي يتولى منصب السكرتير العام للحزب، وذلك بسبب حدة خلقه وشدة تمسكه بالحكم والسلطان. وها نحن أولاء ننشر تفاصيل هذه «الوصية». •••
كان المركز الأدبي لتروتسكي يرتفع كلما اشتد المرض بلينين ، وكانوا يعتبرونه ممثلا للينين وإن لم يحمل لقبا رسميا، وكان هذا سببا يدعو منافسيه إلى التكتل ضده والعمل على إبعاده.
ولاحظ تروتسكي بعد أن أخذ يتردد على صالات الاجتماعات في موسكو أن مناقشاته تقاطع، وكانت هذه أولى علامات المؤامرة التي دبرت ضده، وكانت المؤامرات هي المادة الأولى في السياسة الروسية في تلك الأعوام، وكان الناس جميعا يعرفون أن استمرار الدولة الجديدة رهن بخليفة لينين ومن يكون؟ ولكن في ظروف خطيرة كهذه يحدث أحيانا ألا تحد الوطنية من المطامع الشخصية.
ومنذ اللحظة التي دب فيها التحاسد بين أصدقاء لينين وأقوى رجال في حزبه، بدأ عمله كله يتعرض للخطر والانهيار بسبب تعرض وحدة الحزب للانقسام، ولم يكن لينين رجلا يحاول تحقيق مطامع شخصية، وإنما كان كل ما يهمه في الحياة هو العمل الذي حققه لبلاده ...
فلما استلقى على فراشه بعد أن حرم مؤقتا من المقدرة على الكلام أخذ يقلب في رأسه موضوع المرشح الذي يجب أن يلقي على أكتافه عبء السلطة، وقبل وفاته بعام واحد أملى، للعرض على مؤتمر الحزب، المذكرة الآتية، التي أطلق عليها البعض اسم الوصية:
أعتقد أن العامل الأساسي لاستقرار نظامنا يجب أن يتلخص في تأييد كبار الأعضاء في لجنتنا المركزية من أمثال ستالين وتروتسكي، وفي رأيي أن العلاقات بين هذين الرجلين تنذر بخطر شديد على وحدة الحزب، وربما كان من الممكن تجنب الفرقة بزيادة عدد أعضاء اللجنة المركزية ومضاعفته من 50 إلى 100.
إن الرفيق ستالين بعد أن أصبح سكرتيرا عاما للحزب قد ركز سلطة واسعة في يده، ولست واثقا إذا كان يستعمل هذه السلطة دائما بالحذر المطلوب. ومن جهة أخرى فإن الرفيق تروتسكي لا يتميز فقط بكفاءته الشخصية، فهو بكل تأكيد أكفأ أعضاء اللجنة المركزية، وإنما أيضا بثقته العظيمة بنفسه وميله إلى الناحية الإدارية من كل موضوع.
إن هذا الاختلاف في خلق الرفيقين اللذين يعتبران أكثر الأعضاء كفاءة في اللجنة المركزية قد يؤدي إلى انقسام ولو لم يحدث هذا باختيار أحد، فإذا لم يتخذ الحزب إجراءات لوقف هذا فقد يحدث في لحظة غير متوقعة.
وفي نفس الأسبوع الذي حرر فيه لينين مذكرته هذه أبلغ بنبأ الفضيحة التي أثارها ستالين بتصرفاته في جورجيا، فقد نكل ستالين والحقد يملأ قلبه بمسقط رأسه، وأوقف أصدقاءه القدماء عن وظائفهم، واشمأز لينين من سماح ستالين باستعمال القوة لتسوية مشاكل كان الدستور يقدم بشأنها ضمانات تقضي بالتسامح إلى أبعد الحدود.
ولما عرف ستالين أن لينين قد أبلغ تفصيل ما حدث عنف زوجة لينين؛ لأنها أبلغته إياه بدلا من أن تتركه يخلد للراحة وهو في مرضه الأخير، وعلى ضوء ما بلغ لينين من تصرفات ستالين الأخيرة قام بتقوية «مذكرته»، فأضاف إليها بعد عشرة أيام الأسطر التالية:
Shafi da ba'a sani ba