وماذا عن الكرملين؟ الذين يجلسون فيه الآن جاءوا بإذن من قوات الأمن، وهم لا يستطيعون الخروج إلا بإذن منها. إنهم في الواقع أسرى هذه القوات سواء كانوا يعرفون ذلك الآن أم لا يعرفونه، ورجال مثل رجال الكرملين بخبرتهم في الثورات والانقلابات والحرب الأهلية لا يمكن أن يكونوا غير ملمين بعناصر الموقف وحقيقته، لقد كانت الحقيقة واضحة، قوية، تفرض نفسها فرضا.
إن قوات الأمن ليست فرعا من الحكومة؛ إنها لرجل قوي قاس ذو قدرة خارقة اسمه لافرنتي بافلوفتس بيريا، ولقد كانت قوات بيريا وسيارات بيريا ودبابات بيريا هي التي قامت بهذه المناورات العسكرية العجيبة، واستولت على مدينة موسكو في نفس الوقت الذي كان فيه راديو موسكو يعلن نبأ وفاة ستالين على المواطنين المذهولين ...
لقد وضع بيريا يده على موسكو في دقة الساعة ونعومتها، وإذا استولى بيريا على موسكو فقد استولى في واقع الأمر على روسيا كلها.
فمنذ فجر 6 مارس حتى عصر 9 مارس كان بيريا هو سيد روسيا وحاكمها، كان هو الأعلى، لم يكن هناك أي فرد آخر يجسر على تحديه، لا مالينكوف ولا خروشيشيف ولا مولوتوف، ولا الجيش نفسه!
كان بيريا يستطيع في خلال ال «خمس وسبعين ساعة» التي حكم فيها أن يعلن نفسه دكتاتورا وخليفة لستالين، ولكنه لم يوجه ضربته في هذه اللحظة بالذات، وبتأجيلها حدد مصيره.
إن الحياة التي انتهت بالإعدام ليلة عيد الميلاد سنة 1953 في لوبيكا قد تقرر مصيرها منذ تلك الأيام في مارس عندما فشل بيريا في استخدام سلطته.
لقد كان «استعراض القوة» الذي نفذه بيريا ناعما بارعا، كاملا إلى درجة أن أي شخص لمح ذلك لا يمكن أن يلتقط أنفاسه في هدوء إلا إذا وثق في بيريا تماما، أو خضع لسلطته المطلقة.
وفي اليوم التالي عندما رقد ستالين بجوار لينين وقف بيريا في الميدان الأحمر جنبا إلى جنب مع مالينكوف ومولوتوف.
وعندما وقفت تحت شمس مارس الشاحبة أستمع إلى بيريا خيل إلي أن ثمة تيارا خفيا في خطبته ينبع من ثقته المطلقة في قوته.
وفي تلك الليلة أرسلت في برقيتي إلى النيويورك تايمز أقول: «كانت نبرات مستر بيريا بالذات تنم عن ثقة ملحوظة.»
Shafi da ba'a sani ba