32 ... ويرى أن هذا التعليل هو مفتاح شخصية اسپينوزا، وهو الحل الصحيح لمشكلة مصادر تفكيره، وهو الذي يلقي الضوء الصحيح على مكانته في تاريخ الفكر.
وبمثل هذا يقول «رخمان»، مؤكدا أهمية التعليم العبري في تكوين شخصية اسپينوزا: «فكون اسپينوزا أبرز الطلاب في مدرسة نموذجية في أكثر المجتمعات اليهودية ثقافة في ذلك العصر، وبقاؤه في هذه البيئة التقليدية حتى سن الثانية والعشرين، هو في ذاته كاف لربطه باليهودية بألوف الروابط، وذلك رغم تأثير العالم الخارجي والمذاهب الغربية، بل ورغم رغبته الشخصية في التحرر بطريقة نهائية حاسمة من جميع المؤثرات.»
33
ومثل هذه الشواهد، في ذاتها، غير كافية، ولا يمكن أن يعول عليها؛ إذ إن نشأته وتعليمه في بيئة يهودية أمر معترف به من الجميع، ولكن ليست له في ذاته أية دلالة؛ لأنه قد يؤدي إلى الثورة على التراث اليهودي مثلما يؤدي إلى الخضوع له. وقد يأتي بنتيجة سلبية مثلما يؤدي إلى نتيجة إيجابية، وهل يستطيع أحد أن يقول إن فلسفة ديكارت أو كانت أو هيجل ترتد أساسا إلى المسيحية لأنهم نشئوا في بيئة مسيحية وتعلموا في مدارس مسيحية؟ وهل مجرد النشأة والتعليم وحدها كافية لتوجيه الفيلسوف الناضج، أم أن كثيرا من كبار المفكرين يتميزون بالثورة على البيئة التي نشئوا فيها والتعاليم التي تلقنوها في حداثتهم؟ إن الدراسة الفعلية لتفكير اسپينوزا تثبت بوضوح أن هذا التأثير، إن وجد، كان تأثيرا سلبيا فحسب؛ أي إن معارضته لهذه المؤثرات الأصلية كانت هي نقطة بداية انطلاقه في طريق التفكير المستقل.
ومع ذلك فإن هؤلاء المفسرين يجزمون بأن مجرد كون اسپينوزا قد درس الفلسفة اليهودية واللاهوت اليهودي في العصور الوسطى، معناه أنه قد تأثر حتما بهذه الاتجاهات، وبالفعل نجد في قائمة الكتب التي احتوتها مكتبة اسپينوزا بعد وفاته، وهي القائمة التي أوردها وحللها «ڨيو
Vulliaud »،
34
مجموعة كاملة من تفسيرات اللاهوتيين اليهود للعهد القديم، تدل على أنه قد استوعب هذا التراث استيعابا كاملا. وهكذا يتلمس الشراح أوجه شبه لفظية بين فلسفة اسپينوزا وفلسفة «ابن جرسون
Gersonides » و«ابن ميمون
Maimoides » و«سعدية
Shafi da ba'a sani ba