وهكذا يستنبط اسپينوزا جميع تعريفاته للانفعالات عن طريق ردها إلى الانفعالات الثلاثة الرئيسية: اللذة والألم والرغبة. وهذه الانفعالات الرئيسية ترد ، كما بينا من قبل، إلى النزوع الأساسي (
Conatus ) للكائن إلى حفظ ذاته. ومن الواضح أن الفارق بين نظرة اسپينوزا هذه إلى علاقة الانفعالات بعضها ببعض، وبطبيعة الإنسان، وبين نظرة الفلاسفة التقليديين إليها، يساوي الفارق بين نظرة العالم ونظرة الجاهل إلى تركيب الأجسام الطبيعية مثلا؛ فغير المتخصص في العلم يعتقد أن بين تركيبات الأجسام اختلافات كيفية أساسية، بينما العالم يرد هذه الاختلافات الكيفية إلى فروق كمية، بحيث إن الأجسام التي تبدو في ظاهرها أشد ما تكون اختلافا، قد لا يكون بينها في حقيقة الأمر من فارق سوى اختلاف كمي بسيط في الوزن الجزيئي لمادتها. وكما أن العالم يبدأ بمجموعة محدودة من العناصر ويفسر من خلال تركيباتها المختلفة كل التكوينات المعقدة في الطبيعة، فكذلك يبدأ اسپينوزا بمجموعة محدودة من الانفعالات ويرد إليها عالم المشاعر النفسانية بكل تعقيداته. •••
وينبغي، قبل أن نتحدث عن وسيلة التغلب على الانفعالات عند اسپينوزا، أن نلاحظ أنه لا يحمل على الانفعالات بما هي كذلك؛ فهو لم يكن ضمن أولئك الفلاسفة الذين يحملون على كل انفعال ويعدونه مظهرا من مظاهر ضعف النفس البشرية. وهو على الأخص لم يكن يحمل على الانفعالات الإيجابية المرتبطة بتحقيق الإنسان لطبيعته، وبالتالي كان أبعد الفلاسفة عن الدعوة إلى الزهد أو إنكار الجسم ومطالبه. وكثيرا ما نسبت إلى اسپينوزا نزعات زاهدة، نظرا إلى الاعتقاد بأنه كان فيلسوفا صوفيا يدعو - بالمعنى الحرفي - إلى الحب الإلهي وإلى التخلي عن معرفة الحسيات والجزئيات في سبيل المعرفة الحدسية الصوفية. وهكذا نظر إليه على أنه لا يفترق، في اتجاهه الأخلاقي العام، عن التراث الأفلاطوني المسيحي في الفكر الغربي. ومثل هذا التفسير بعيد كل البعد عن اتجاه اسپينوزا الحقيقي، وإن يكن ظاهر لغته يوحي بهذا في كثير من المواضع.
ومن الأمور التي اتفق عليها مؤرخو حياة اسپينوزا أنه لم يحمل قط على التمتع باللذات الحسية، وكل ما حذر منه هو الإفراط فيها. أما في فلسفته النظرية فإن آراءه الحقيقية تظهر في قضايا مثل: «ليست اللذة في ذاتها شرا وإنما هي خير؛ أما الألم فهو في ذاته شر.»
19
ومثل: «إن المرح لا يكون مفرطا أبدا، وإنما هو دائما خير؛ أما الكآبة فهي دائما شر.»
20
وهو يؤكد الطبيعة البشرية بقوة، ويثني على الرغبات والانفعالات التي تتمشى مع هذه الطبيعة، وتساعد على حفظ جسم الإنسان، بينما يحمل على الآلام التي تعود بالضرر على جسم الإنسان. وهو يحمل على الأخلاق الزاهدة إذ يقول: «إن التفكير الخرافي ... يبدو أنه يعد كل ما يعود على الإنسان بالألم خيرا، وكل ما يجلب له اللذة شرا.»
21
ويؤكد أن السعي وراء اللذة التي تفيدنا بحق يؤدي إلى زيادة كمالنا، وبالتالي ازدياد مشاركتنا في الطبيعة الإلهية (أي، في هذا السياق، السير وفقا للنظام الكلي للطبيعة).
Shafi da ba'a sani ba