ولكي يؤكد اسپينوزا هذه التفرقة قال: «ليس لله انفعالات، كما أنه لا يتأثر بعواطف اللذة ولا الألم قط.» والنتيجة الهامة التي يستخلصها من هذه القضية هي: «إذا شئنا الدقة؛ فالواجب أن نقول: إن الله لا يحب ولا يكره أحدا.» ولكنه في القضية التالية (18) يقول: «لا يستطيع أحد أن يكره الله.» ثم يقول في القضية التي تليها (19): «من يحب الله لا يسعى إلى أن يبادله الله الحب.»
ففي القضية الأولى يؤكد اسپينوزا استحالة انطباق الحب، بالمعنى الانفعالي، على الله. وإذا كان سيعود فيما بعد فيتحدث عن نوع من الحب الإلهي للإنسان، فإن هذا الحب ينبغي أن يفهم بمعنى غير المعنى الانفعالي الذي يتحدث عنه في هذه القضية. ومع ذلك فهو في هذه المجموعة من النصوص يجعل علاقة الحب بين الله وبين الإنسان «لا تماثلية»، فيقول إنه إذا كان الله، بالمعنى الدقيق، لا يحب أحدا ولا يكرهه، فمن الواجب أن يظل حب الإنسان لله قائما حتى مع استحالة كونه متبادلا.
فكيف فهمت هذه النصوص؟ (أ)
لقد فهمها «ألكييه
Alquié » مثلا على أنها نوع من العلاء بالعقيدة التقليدية: فاسپينوزا حين قال إن حبنا لله ليس معناه أن ننتظر حبا مقابلا من جانب الله، كان يقصد تنقية هذا الحب من مظهر الأنانية التي تجعلنا نتوقع المبادلة في كل حب نشعر به، بحيث ننتظر أن يرد هذا الحب إلينا آخر الأمر،
88
وهكذا أراد أن يطهر العقيدة من هذه الاتجاهات، وبذلك يكون هذا الحب الإلهي، الذي لا ينتظر المرء فيه مبادلة، أنقى من كل المظاهر التقليدية. وتبعا لهذا التفسير يتخذ الحب الإلهي عند اسپينوزا نفس الطابع التقليدي، وإن يكن مشوبا بمحاولة للإصلاح والتطهير، ولا شك أن ذلك الفهم يفترض أن المقصود هنا هو الحب الانفعالي، الذي يوجه إلى إله ذي صبغة مشخصة، وهي معان مضادة تماما لكل ما يقصده اسپينوزا نفسه. (ب)
ويعلل «فوير
Feuer » فكرة الحب الإلهي تعليلا سيكولوجيا، فيقول إن تعلق اسپينوزا بهذه الفكرة ربما كان حنينا لا شعوريا من طفل فقد حب أمه التي ماتت وهو في السادسة، كما يقترح تفسيرا لفكرة الحب الإلهي غير المتبادل، فيقول إن هذه الفكرة قد تكون محاولة لا شعورية منه للتكيف مع طفولته في ظل أب صارم لا يبدي نحوه حبا،
89
Shafi da ba'a sani ba