Speeches and Lessons of Sheikh Abdul Rahim Al-Tahan
خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان
Nau'ikan
الأمر الثاني: غنى الرب – ﷻ – الذاتي، يدل على كماله وجلاله، وعلى كون المخلوقات بأسرها في قبضته، وتحت تصرفه، فالفقر ذاتي لها، لا ينفك عنها، قال الله – ﵎ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ فاطر١٥ قال الإمام ابن القيم – عليه رحمة الله تعالى – بين ﷾ في هذه الآية أن فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، كما أن كونه غنيًا حميدًا ذاتي له، فغناه وحمده ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، وفقر من سواه إليه ثابت له لذاته لا لأمر أوجبه، فلا يعلل هذا الفقر بحدوث ولا إمكان، بل هو ذاتي للفقير، فحاجة العبد إلى ربه لذاته لا لعلة أوجبت تلك الحاجة، كما أن غنى الرب – ﷾ – لذاته، لا لأمر أوجبه غناه، فالفقير بذاته محتاج إلى الغنيّ بذاته، فما يذكر من إمكان وحدوث واحتياج فهي أدلة على الفقر لا أسباب له، ولهذا كان الصواب في مسألة علة احتياج العالم إلى الرب – ﷾ – غير القولين اللذين تذكرهما الفلاسفة والمتكلمون، فإن الفلاسفة قالوا: علة الحاجة: الإمكان، والمتكلمون قالوا: علة الحاجة الحدوث، والصواب أن الإمكان، والحدوث متلازمان، وكلاهما دليل الحاجة والافتقار، وفقر العالم إلى الله – جل وعلا – أمر ذاتي لا يعلل، فهو فقير بذاته إلى ربه الغني بذاته (١) .
_________
(١) انظر طريق الهجرتين وباب السعادتين: (٦) وقرر في صفحة: (٥٩) أن حاجات العباد إلى الله – ﷻ – بعدد أنفاسهم بل أكثر، فالعبد له في كل نفس ولحظة وطرفة عين عدة حوائج إلى الله – جل وعلا – لا يشعر بكثير منها، فأفقر الناس إلى الله – ﵎ – من شعر بهذه الحاجات وطلبها من معدنها بطريقها ١هـ وقد قرر شيخ الإسلام في كتاب الحسنة والسيئة صفحة: (٢٢٣) ضمن شذرات البلاتين أن أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه، دعاء الفاتحة: "اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ" فالعبد محتاج إلى الهدى في كل لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب، ولا يحصل الاهتداء إلا بالعلم النافع، وإرادة العمل به، ووجود القدرة على ذلك، قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: (٣٢٠) والمجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، ومالا نريد فعله تهاونًا وكسلا ً مثل ما نريده، أو أكثر منه، أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، فنحن محتاجون إلى الهداية التامة.
1 / 47