Situations Where the Prophet PBUH Took an Oath
مواقف حلف فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم
Mai Buga Littafi
بيت الأفكار الدولية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤١٨ هـ
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
[تقديم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، الذي رفع قدر العلماء، فاستشهداهم على أعظم مشهود وهو التوحيد.
وأشهد أن سيّدنا محمدا عبده ورسوله، إمام العلماء، وسيد الأولياء، صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه.
أما بعد
فإن أعظم ميراث ورّثه الأنبياء هو ميراث العلم، ولقد هيأ الله لهذا الميراث من يقوم به ويبلغه للناس رغبة في الأجر، ورفعة في القدر، ومغفرة للوزر.
ومن المعلوم أن الحاجة إلى العلم أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب، لأن الحاجة إلى الطعام والشراب محدودة، والحاجة إلى العلم غير محدودة. وممن نحسبهم من طلاب العلم الذين واصلوا على التعلم والتعليم الأخ الفاضل/ خميس السعيد محمد، الذي كتب كتابه الموسوم ب (مواقف حلف فيها النبي ﷺ .
1 / 5
وقد قرأنا بعض فصوله، فوجدته من العلم المؤصّل الذي يستند على الدليل المقنع والذي تحتاجه الأمة اليوم، وقد بذل فيه جهده، وعمر به وقته، ليخرج للناس زادا يتزودون به في سيرهم إلى الله والدار الاخرة.
ولقد أحسن الشيخ خميس السعيد في كتابه هذا، والذي بيّن فيه مواقف عظيمة حلف فيها النبي ﷺ وشدّد فيها بيمينه حرصا منه ﷺ على هداية أتباعه، وترغيبا لهم في الخير، فتارة يقسم أنه ودّ أن يقتل ثم يحيا، ثم يقتل في سبيل الله ثم يحيا، وفي هذا ترغيبا لأصحابه على الجهاد في سبيل الله، وتارة يحلف أنه ما يخشى الفقر على أصحابه بل يخشى أن تفتح الدنيا على أتباعه، وفي هذا تحذير لهم من مزالق الدنيا وفتنتها، وهكذا ... فهو ﷺ يحلف لمن اتبعه فيرغّبهم في الخير، أو ليدفع عنهم الشر، أو ليفقههم في الدين، أو ليخبرهم بنبأ من سبقهم ليتعظوا وهكذا.. أسأل الله تعالى أن تكون هذه الرسالة علاجا لما استفحل من كثرة الحلف بلا داعية إلى ذلك، والتجرؤ على الأيمان جزافا بلا مصلحة ظاهرة، وأن يعين الله بها ما انتشر من أيمان كاذبة والعياذ بالله.
1 / 6
أسأل الله تعالى أن يجزي الشيخ خميس السعيد خيرا على كتابه هذا، وأن ينفع به، وأن يجعله من العمل الخالص الباقي له بعد الموت، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه إلى يوم الدين.
قاله وكتبه
سعد بن سعيد الحجري
الإثنين ٧/ ٥/ ١٤٢٥ هـ
1 / 7
[مقدمة]
بسم الله الرّحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمّي الأمين، وعلى اله الطيبين الطاهرين، ومن سلك طريقه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن شخصية الحبيب محمد ﷺ مدرسة شرعية مترامية البنيان تربّى في أحضانها كل مخلص لهذا الدين. فهو ﷺ قائدنا ومربينا ومعلمنا جميع المبادئ السامية، والعلوم الشرعية النافعة، والتوجيهات النبوية الرائدة.
فلقد تربى على يديه العلماء والمربون والمصلحون، وورثوا عنه العلم النافع فالأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ولكن ورّثوا العلم، فالعلماء إذا ورثة الأنبياء.
تعلّم العلماء من المنهل العذب النديّ رسول الله ﷺ تعلموا العلم من أقواله وأفعاله وتقريراته وسائر أحواله وكانوا بذلك مصابيح الدجى، ومشاعل الهدى للناس كافة.
1 / 9
وتربّى العبّاد والزهّاد في مدرسة الحبيب محمد ﷺ فتأثروا ببكائه، وخوفه، وحزنه، وطول قيامه، وكثرة ذكره لربه وابتهاله، فزكت نفوسهم وخشعت جوارحهم، وسالت دموعهم، وباتوا لربهم سجدا وقياما يرجون رحمته ويخافون عذابه.
وتعلم منه القادة والزعماء والوجهاء من سياسته الشرعية، ووفرة عقله، وفرط ذكائه في قيادة دفّة الأمة، والتعامل مع الأعداء، وتأليفه لقلوبهم، وفقه التعامل مع الغير أيّا كان هذا الإنسان.
وأيضا نال الخلق كلهم من خلقه وسمته، وحسن معاشرته الشيء الكثير، فحياته ﷺ ميدان من الميادين الثرّة، بل إن ميدان حياته ﷺ يجمع كل النظم والميادين الأخلاقية والاجتماعية وقبلها الشرعية وكذا الحياتية فهو ﷺ نور، وهدى، ورحمة، وبشير ونذير ويكفي قول الله الله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر/ الاية ٧
وكذا قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ النساء/ الاية ٨٠
1 / 10
وأيضا قوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى.
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى النجم/ الاية ٣
ونحن هنا نقطف من حياته وأقواله ﷺ قطفا وغصنا باسقا نهتدي بهديه، ونقتفي أثره، ونتعلم من توجيهاته، ونلزم تأكيداته التي وردت على لسانه، وهذا جانب مهم نتعلمه هنا في هذه الرسالة من حياة الحبيب محمد ﷺ.
ولا ريب أن النبي ﷺ أحرص الخلق على هداية الأمة، وهذا ما سنراه واضحا بإذن الله في هذه الرسالة والتي جمعت فيها جانبا من جوانب قسمه وتأكيداته بحلفه العظيم لأمته على أمور خلقوا من أجلها، ومهام شرعية يستحثهم عليها، ويأمرهم فيها بطاعة الله تعالى، ويقرّر لهم فيها العقيدة الصافية التي يجب على كل مسلم أن يدين بها، ويحيا من أجلها.
إن الكلام النبوي حديث عزيز على النفس، يجب على العباد امتثاله، والاستضاءة بنوره، والاهتداء بهديه، فإذا كان هذا الحديث النبوي مشفوعا بقسم محمّدي، وبيمين غضّ طري، يخرج من مشكاة
1 / 11
النبوة، كان امتثال هذا المقرّر، والتخلق بمقتضى ما حلف عليه النبي ﷺ وأكّده بقسمه اكد وأوجب.
فعلى كل مسلم أن يتنبّه لهذه الفائدة، وأن يتأمّل مليّا ما يشوّفنا إليه النبي ﷺ بهذا الأسلوب المثير للانتباه، ولا شك أن ما أولاه الحبيب ﷺ اهتماما زائدا عن غيره لا بد وأن نوليه نحن كذلك اهتمامنا، وتقديرنا، وسرعة امتثالنا.
أسأل الله ﵎ أن يجعل ما جمعته وكتبته ورتبته في ميزان حسناتي وحسنة كاملة لي عنده في حياتي وبعد وفاتي، وأن يغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ولجميع المسلمين، إنه وليّ ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على سيد الخلق محمد وعلى اله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو محمد خميس السعيد محمد عبد الله مصر/ كفر الشيخ/ الحامول الأحد ٩/ ٥/ ١٤٢٥ هـ ٢٧/ ٦/ ٢٠٠٤ م
1 / 12
الفصل الأول مقدمة مختصرة عن الحلف
ووقفات هامة مع حلف النبي ﷺ
1 / 13
مقدمة مختصرة عن الحلف ووقفات هامة مع حلف النبي ﷺ
وقفات مع حلف النبي ﷺ
الوقفة الأولى: عظم شأن المحلوف عليه:
اعلم أخي المسلم أن النبي ﷺ إذا حلف على شيء فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على عظمة المحلوف عليه وخطورته وأهميته فلا بد أن تهتم بذلك الأمر الذي أقسم عليه النبي ﷺ.
فلو حلف مثلا على حرمة دم المسلم كما سيأتي معنا في الرسالة بقوله:
«والذي لا إله غيره! لا يحل دم امرئ مسلم ... إلا ...»، كان ذلك اليمين سببا عظيما في تحريم دم المسلم، فعلى المسلم ساعتها أن يحذر كل الحذر من الوقوع في هذا الموبق الخطير.
ولو حلف مثلا على أن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القران كما سيأتي أيضا- بعون الله- كان ذلك حافزا كبيرا على قراءة هذه
1 / 15
السورة العظيمة وقراءة تفسيرها والوقف على معانيها، والامتثال لأوامرها، والتسليم بمقتضاها.
وهكذا، فإن يمينه ﷺ إما يحذر العباد من أمر يخشى عليهم عاقبته، فعندئذ يجب علينا الحذر من مغبة الوقوع فيما حذّرنا منه، وإما أن يكون حلفه على أمر أو طاعة أو عمل صالح يرجو من أتباعه امتثاله والتخلق به وطاعته، وكذلك طاعة الله فيه، فيجب علينا سرعة الامتثال، لأن يمينه ﷺ على ما أكّد بأمر هذه العبادة ليس بالشيء الهين.
وإما أن يكون قسمه وحلفه ﷺ لتقرير أمر ما، أو غرس عقيدة ما في نفوس أتباعه فيجب علينا كذلك الإيمان بذلك، واليقين بما نبّه عليه بقسمه؛ لأن يمينه كذلك ﷺ ليس بالأمر السهل، فلا يتسنى لنا إهمال هذه المؤكدات النبوية، لأنه ﷺ ما بعث إلا بخيري الدنيا والاخرة، فعليك أخي أن تستحضر هذا المعنى عند كل موقف تقرأه في هذه الرسالة، وهذا يغني عن التكرار هناك وراء كل حديث حلف فيه النبي ﷺ.
1 / 16
الوقفة الثانية: شفقة النبي ﷺ ورحمته بأمته:
وهذه الوقفة المهمة، وتلك الفائدة الملموسة يحسها المرء إذا ما قرأ كل حديث أقسم فيه النبي ﷺ.
فأنت تشعر أن في طيات هذا القسم، همّ كبير، وخوف عظيم على عباد الله وأمّته، فهو يرجو لهم الخير، ويخشى عليهم من العذاب، ويتمنى لهم رضى الرحمن، لذلك كان يريد ﷺ أن يثبّت لهم الحقائق الشرعية ويلفت أنظارهم إليها بأي وسيلة كانت، ومن هذا المنطلق وغيره جاء يمينه وحلفه حتى يوقظ ضمائر أمته، ويستثير عزمهم إلى صراط الله المستقيم. فتذكر هذه الفائدة كذلك عند كل موقف تقرأه.
الوقفة الثالثة: للمرء الحلف بدون استحلاف:
فالنبي ﷺ جاءت أيمانه بدون استحلاف من أحد، ولكنه كان يعلم أهمية الموقف الذي يحلف فيه، ويعرف عظمة ما يحلف عليه، لذا كان ﷺ لا يتهيّب من ذلك، لأن له ﷺ نيّة صالحة فيما يحلف عليه. فهو يريد من وراء ذلك هداية الأمة بهذا التأكيد العظيم.
1 / 17
الوقفة الرابعة: جواز تعدد صيغ الحلف:
وهذا مشاهد من أحوال النبي ﷺ في حلفه فنراه تارة يحلف بقوله «والذي نفسي بيده» وأخرى يقول: «والذي نفس محمد بيده» ومرة أخرى يحلف ﷺ بقوله: «والله» وغيرها «والله الذي لا إله غيره» وأيضا أحيانا يقول: «وأيم الله» . فلا ضير في تعدد صيغ الحلف مادام أن الحلف يكون بالله تعالى.
الوقفة الخامسة: أهمية أسلوب القسم في الدعوة إلى الله:
إن القسم له فائدة كبيرة في تأكيد الكلام، وإعطائه أهمية كبيرة لدى المستمعين، فهو يستثير حواسهم لما سيأتي بعد هذا القسم؛ لذا استخدمه النبي ﷺ.
فعلى الدعاة أن يستخدموا هذا الأسلوب ويهتموا به، ويكون لهم في ذلك نية الاقتداء بالنبي ﷺ وتطبيق سنته، ومع ذلك ينبغي عدم الإفراط في ذلك الأمر، فبعض الدعاة يقسم ما يقرب من عشر مرات في المحاضرة أو الدرس أو الكلمة الواحدة بعد الصلاة، وهذا أمر ربما يسبب نفور البعض من هذا الإكثار. فعلى الداعية أن يستخدم هذا الأسلوب بذكاء وبطريقة توقظ الهمة وتنشط الفاتر الكسلان.
1 / 18
حكم اليمين وكفارته «١»
هذه اية من سورة المائدة أود أن يحفظها ويعرف أحكامها كل مسلم، لأن الناس في أيامنا هذه يكثر منهم أن يحلفوا ويحنثوا، أي لا يوفوا بما حلفوا عليه، وهنا يوقعهم الحلف في معصية الله، إن لم يعرفوا أحكام اليمين ويؤدوا ما عليهم من حقها.
قال تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة/ ٨٨]
هذه الاية واسعة الأحكام، حتى لقد ذكر القرطبي- ﵀ في تفسيرها سبعا وستين مسألة، ولكني مورد هنا خلاصة مركزة فأقول وبالله التوفيق:
[مسائل]
أولا: كثرة الحلف بالله ولو صدقا منقصة للمؤمنين
، لأن الواثق بنفسه، الوازن لكلامه، العارف لمنزلته في الناس، يورد الحقائق بلا
_________
(١) (من لطائف التفسير/ ١/ ٢٩٩- ٣٠٢) أحمد فرح عقيلان، دار اليقين، المنصورة، مصر.
1 / 19
حلف حتى لا يكون حلافا، وقد قرن الله جل وعلا كثرة الحلف بالمهانة، لأن الحلاف في نظر الناس محتقر يستغل اسم الله استغلالا غير مؤدب.
ثانيا: الحلف بغير الله ممنوع لأنه شرك
، ومن حلف بغير الله فقد أشرك. وقد نهى رسول الله ﷺ عن الحلف بالاباء وبأي شيء غير الله وصفاته مهما عظم حتى الحلف بالكعبة الشريفة، وذلك إمعانا منه ﷺ في حماية حمى التوحيد من أي شائبة شرك.
ثالثا: قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ يعني
مثل قول الإنسان أثناء مناقشة عادية: لا والله، وإي بالله، والله أوحشتنا في غيبتك، والله ما بيننا تكلف ... وهكذا.
ومثل هذا اللغو يغفره الله بواسع عفوه ولا يؤاخذ صاحبه.
رابعا: قيل في سبب نزول الاية:
إن جماعة من الصحابة سمعوا خطبة عظيمة التأثير هائلة الوعيد من رسول الله ﷺ فعادوا يبكون خطاياهم، واجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون ﵁ حيث قرروا أن يهجروا لذائذ الطعام، ويهجروا النساء؛ فنزلت هذه الاية والايتان اللتان قبلها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ
1 / 20
لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [المائدة/ ٨٦، ٨٧] .
خامسا: ما كل يمين يقتضي أن تنفذه وتوفي به
، فبعض الأيمان يكون الحنث بها واجبا والوفاء بها حراما، ومثل هذه الأيمان كثيرة في هذه الأيام، ففي نوبة من نوبات الغضب وسيطرة الشيطان قد يقول رجل لامرأته: والله لا رأيت أمك بعد اليوم، أو والله لا دخلت بيت أبيك بعد الان، أو يقول: والله لا أدخل بيت أخي ولو أن فيه ترياق الحياة، والله إن لقيت فلانا لأضربنّه، أو يقول: والله لا أذوق الأكل إذا ذبحت لي ذبيحة، والله لا أدخل المسجد الذي إمامه فلان، والله إن لم تطلق امرأتك فلن أكلمك وغير ذلك من هذه الأيمان كثير.
كل هذه الأيمان حرام تنفيذها، وواجب أن تحنث بها وتكفر، لقول رسول الله ﷺ: «من حلف أن يعصي الله فلا يعصه» .
سادسا: ومن الأيمان التي لا تكفر ولكنها إثم
يجب التوبة عنها ما تحلفه على ما مضى من الحوادث كأن تقول: والله اشتريت السيارة بعشرين ألفا، وأنت قد اشتريتها بأقل أو أكثر، وكقول البائع: والله بعت أمثال هذه السلعة بمائة وهو لم يبعها بمائة، وكقول التاجر
1 / 21
للزبون: والله راعيتك في هذه السلعة بعشرة ريالات وهو لم يراعه، مثل هذه الأيمان لا تكفر بمال يدفع، أو بصوم ولكن تكفر بالتوبة والإنابة والإقلاع عن الأيمان.
سابعا: قوله تعالى: وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ
وقرئت:
عقدّتم الأيمان" بتخفيف القاف، وكلمة ما هنا مصدرية، فيكون المعنى ولكن يؤاخذكم بعقدكم الأيمان أي بالأيمان المقترنة بنية التنفيذ كأنها إبرام عقد فهذه التي تستوجب الكفارة.
ثامنا: اليمين الغموس
هي التي يحلفها الإنسان وهو بها كاذب لكي يأكل مال أخيه بغير حق، كما يفعل أحد المتخاصمين حين يحلف كاذبا ليأكل حق الاخر، وكما يحلف التاجر كاذبا ليكسب ربحا طائلا بالحرام.
وهذه اليمين في أصح الأقوال ليس لها كفارة من صدقة أو صوم لكنها من أكبر الكبائر لما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ﵄ أن رسول الله ﷺ سأله أعرابي عن أكبر الكبائر فقال: «الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس» وهذه اليمين لا كفارة لها إلا التوبة الصادقة، وإرجاع ما اقتطع بها من الحقوق إلى أصحابها.
1 / 22
تاسعا: من حلف قائلا: أكون خارجا من الإسلام إذا كلمت فلانا
، فعليه أن يكلمه وعليه الكفارة، وعليه التوبة النصوح عن مثل هذا اليمين الذي تقشعر له أبدان العقلاء.
عاشرا: اليمين يجوز فيه التذكير والتأنيث
فتقول: كفر عن اليمين الذي حلفته، كفر عن اليمين التي حلفتها.
أحد عشر: قوله تعالى: " فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ
" يقتضي أن تجمع عشرة مساكين فتطعمهم وجبتين أو أن تحمل الطعام إلى بيوتهم.
وقد يسأل كثير من الناس: إن الفقراء في هذه الأيام بفضل الله قلائل جدا ويصعب جمعهم للطعام، والجواب: أنه يمكن أن يرسل إلى عشرة من الفقراء كل واحد عشرة ريالات كما يمكن أن يعطى بعض العائلات المستورة أو الأيتام بعض السكر والأرز والسمن والمأكولات المعلبة.
اثنا عشر: كلمة أهليكم
" جمع أهل وهو ملحق بجمع المذكر السالم ويعرب إعرابه، وكلمة كسوة تقرأ بكسر الكاف وضمها، وعلى من يريد الكفارة أن يطعم المساكين من أحسن ما يطعم أهله أو يكسو كل فرد منهم الكسوة الشائعة في المجتمع كما يكسو نفسه أو أحد أولاده.
1 / 23
ثلاثة عشر: لا تعطى الكفارة لغني
، ولا يكفي أن يطعم المكفّر جيرانه، كما لا يجوز أن يصرفها إلى أرحامه الذين تجب عليه إعالتهم، ولا يجب إعطاؤها إلى مسكين واحد دفعة واحدة، فمن الأحسن أن يكون جزء للمساكين وجزء للفقراء وجزء للأيتام.
أربعة عشر: إذا مات الحالف ولم يكفر
وجب إخراج الكفارة من رأسماله قبل قسمة التركة.
خمسة عشر: من لم يستطع الكفارة يصوم ثلاثة أيام
متتابعات أو غير متتابعات على خلاف بين الأشياخ.
ستة عشر: قوله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ
" أي احترسوا ولا تكثروا الحلف ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ وإذا حلفتم فاحفظوها بالكفارة السريعة الوافية.
اللهم ارزقنا الإيمان بك والوفاء بعهدك، والعمل بكتابك وسنة نبيك.
1 / 24
التورية في اليمين
التورية في اليمين تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول
أن يكون الحالف ظالما، مثل: أن يحلف على حق للغير، فهنا لا تنفعه التوراة وتكون يمينه على نية المستحلف، وقد حكى الإجماع على هذا.
قال النووي ﵀:
فإذا ادعى رجل على رجل حقا فحلّفه القاضي وورى فنوى غير ما نوى القاضي انعقدت يمينه على ما نواه القاضي، ولا تنفعه التوراة، وهذا مجمع عليه. اهـ
والظالم لا تنفعه التوراة لما رواه أبو هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «اليمين على نية المستحلف» «١» .
ولحديث ابن مسعود ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان» «٢»
وهذا يشمل الظالم المتأول وغير المتأول، ولأن الظالم لو نفعته التوراة لبطلت الفائدة المرجوة من اليمين.
_________
(١) مسلم: كتاب الأيمان، باب: اليمين على نية المستحلف رقم (٤٢٦٠) .
(٢) مسلم: كتاب الأيمان، باب: وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة رقم (٣٥١) .
1 / 25
القسم الثاني
أن يكون الحالف مظلوما مثل أن يحلف أمام ظالم يريد أن يظلمه في بدنه أو عرضه، أو ماله، أو يظلم غيره، فيوري في يمينه فتنفعه التوراة. أو يترتب على التوراة ضرورة أو مصلحة متعدية، كالتورية لإنجاء معصوم أو لإصلاح بين متخاصمين أو زوجين، أو في حال الحرب ونحو ذلك، ولقد فعل ذلك إبراهيم ﵇ وهذا مشهور عنه.
وكذلك النبي ﷺ قال أنس ﵁: أقبل النبي ﷺ إلى المدينة وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبي الله شاب لا يعرف قال:
ويتلقى الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديناي السبيل فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق، وإنما يعني سبيل الخير «١» .
ولما رواه سويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد رسول الله ﷺ ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، فخلى سبيله. فأتينا رسول الله ﷺ فأخبرته بأن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، قال:
_________
(١) البخاري: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي ﷺ وأصحابه رقم (٣٩١١) .
1 / 26