تفرست في وجهي، قائلة: «لا أدري لماذا خطرت لي فكرة أنك قد تكونين أنت صاحبة الرسائل، مع أنك لا تبدين أصغر مني سنا بكثير، ولطالما فهمت أنهن أصغر سنا.»
ثم تنهدت، مستطردة: «إن ما تعرفينه عن حياتي يفوق ما تعرفه الفتيات اللاتي يعملن معي أو أصدقائي أو أي شخص آخر، إلا أنني أرسم لها صورة في مخيلتي. أنا آسفة، ولكني حقا لا أود رؤيتك مجددا.» «أنا لا أعيش هنا، وسوف أرحل بعيدا. في الحقيقة قد أرحل في الغد.» «هكذا هي الحياة كما تعلمين، وهذا شيء معتاد وحسب. ليس الأمر أننا لم نكن نعيش حياة سعيدة معا. لم يكن لدينا أطفال، ولكننا فعلنا ما أردنا. كان رجلا رقيق الحاشية، طيب المعشر، وناجحا في عمله. لطالما شعرت أن بإمكانه أن يكون أكثر نجاحا، لو ضغط على نفسه. ولكن مع ذلك إن قلت لك اسمه فلربما عرفته.» «لا داعي لذلك.» «أوه، حسنا، لا داعي لذلك.»
كزت على أسنانها وبدا وجهها محتقنا بشعور يشي بالإحساس بالمرارة، مطبقة شفتيها بشكل هزلي تعبيرا عن رغبتها في التخلص مني. فاستدرت في ذات اللحظة تقريبا حتى لا أرى منها ذلك.
خرجت إلى الشارع ولم تكن الشمس قد غابت تماما في رحم المساء الطويل. مشيت ومشيت. في تلك المدينة التي تسكن مخيلتي، أمشي متجاوزة الجدران الحجرية مع صعود وهبوط التلال المنحدرة، وأرى بعين عقلي تلك الفتاة باتريشيا. امرأة فتية، ذلك النوع من النساء الذي يسمي ابنته سامانتا؛ رشيقة جدا، سمراء، ترتدي ملابس عصرية، عصبية قليلا، متكلفة قليلا، شعرها أسود طويل غير ممشط، وجهها تعلوه البثور. تجلس في الظلام، تذرع كل الغرف جيئة وذهابا، تحاول أن تبتسم لانعكاس صورتها في الزجاج، تحاول وضع مساحيق التجميل. تسر بما يجيش بداخلها لامرأة ما، لديها عشيق ما. تأخذ ابنتها إلى المنتزه، ولكن ليس نفس المنتزه. تتجنب بعض الشوارع، ولا تقرأ مجلات معينة. إنها باختصار تعاني وفق قواعد نعلمها جميعا، قواعد لا معنى لها، لكنها مطلقة. عندما أفكر فيها أرى كل هذا النوع من الحب الذي رأيته أنت بكل تأكيد، أو أراه، كشيء يحدث على مسافة مني؛ تبديد غريب للجهد، لا يدعو حتى للرثاء؛ طقس غامض في عقيدة غير معروفة. هل أنا محقة، هل أقترب منك، هل هذا صحيح؟
ولكنك أنت، وهو ما أنساه دائما، أنت من قالها أولا.
كيف لنا أن نفهك؟
لا تبال؛ فأنا من اختلقتها. أنا من اختلقتك، بقدر ما يخدم أغراضي. أنا اختلقت محبتي لك وأنا من اختلقت موتك. لدي ما يكفي من الحيل والفخاخ أيضا. لا أفهم أفاعيلها في الوقت الحاضر، ولكن يجب أن أتوخى الحذر، لن أنتقدها أو أتحدث عنها بسوء.
مغامرة القارب
في نهاية كل من شارع بيل ستريت وشارع مكاي ستريت وشارع مايو ستريت، كان الفيضان. فنهر واواناش يفيض كل ربيع. وفي بعض فصول الربيع - لنقل فصلا من كل خمسة فصول - كان الفيضان يغطي الطرقات بهذا الجانب من المدينة ويغمر الحقول، مخلفا بحيرة ضحلة تعلوها الأمواج. كان الضوء المنعكس على صفحة الماء يجعل كل شيء براقا وباردا، كما هي الحال في البلدات الواقعة على ضفاف البحيرات، ويوقظ أو يحيي في الناس ترقبا غامضا بوقوع كارثة. خلال وقت متأخر من الظهيرة وأول المساء في الغالب، يخرج البعض زرافات للفرجة على البحيرة والجدل حول إن كان منسوبها سيواصل الارتفاع، وإن كانت ستغزو البلدة هذه المرة. بشكل عام، كل من تقل أعمارهم عن الخامسة عشرة و/أو تتجاوز الخامسة والستين كانوا متيقنين أشد اليقين من أن هذا هو ما سيحدث.
خرجت إيفا وكارول للتنزه على دراجتيهما. تركتا الطريق في نهاية شارع مايو ستريت حيث لا وجود لأي منزل، واتجهتا إلى أحد الحقول خلف سياج سلكي وقع بأكمله على الأرض من وطأة الثلوج المنهمرة في الشتاء، ثم سارتا بموازاة الساحل قليلا قبلما يوقفهما العشب الطويل، فنزلتا عن دراجتيهما وتركتاها على الأرض ذاهبتين إلى الماء.
Shafi da ba'a sani ba