وأعلم أن الآيات الدالات على الذكر والإخبار كثيرة فمن ذلك قوله تعالى : ( فاذكروني إذ كركم ) وقوله ( اذكروا الله ذكرا كثيرا ) وقوله : ( و لذكر الله أكبر ) وقوله : ( و أذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ) بين المراتب والأوقات والذكر الخفي أجمل إذ ليس فيه أذى لسامعه وهو خالص عن الرياء والنفاق مثل صوم السر وصدقته . والحث عليه كثير . وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل يتصدق بمال حلال وآخر يذكر الله من صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فأي الرجلين أفضل ؟ فقال ولذكر الله أكبر . وفي الحديث أنه من ذكر الله من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فله أجر من تصدق بمائة ناقة حمراء حملها من ذهب أحمر وكأنه قد أعتق ثمانية رقاب من بني عبد المطلب ثم الذكر له ثلاث وظائف فذكر الظاهر بلقلقة اللسان فهذا يستحب في التلاوات من هياكل العبادات والذكر الخفي أعلى ضروب العبادات والصدقات . وذكر القلب ومنه يحدث الغناء من العالم والاشتغال بالمحبوب أنا ذاكر من ذكرني وجليس من شكرني وحبيب من أحبني . من ذكرني في نفسه ذركته في نفسي ومن ذكرني في ملأ من قومه ذكرته في ملأ من ملائكتي ثم يحصل من الفناء الأول قناء ثان وهو أن يعيب عن النفس لمشاهدة حضرة القدس فيصير لذكر لك عادة وعبادة كشف الموت عنك أعباء الأثقال عدت في عادة ذكرك مع الملائكة الذاكرين . إذ الخير عادة ويطاف بك في ساحة حظيرة القدس وتحظى بقرب من ذكرت . وهو قرب إكرام ومنزل احتشام ومن هذا الذكر ما هو قرآن ثم بعده تسبيح ثم صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ثم استغفار ودعاء . فهذه وظائفه فواظب عليه فانه يكشف لك من سر الربوبية ما يغنيك عن ملتمس كل حال تشاهد الملائكة ويخدمك مزمن الجن ويطيعك أعضاؤك ولزول وقر آذنك فتسمع تسبيح الجمادات ( و أن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) وقد يحصل من ثمر الذكر أكثر ما مر بك في تهذيب النفوس ويثمر عليك أيضا بعض ما أثمر على زين العابدين ذي الثفنات السجاد فأنه كان يسجد بين الليل والنهار ألف سجدة فأثمر عليه كان إذا قام في صلاته يكشف له الكائنات فيطلع على حومة حظيرة القدس وبه بلغ أصحاب المقامات درجات المكاشفات والسير على الماء والهواء وبه سمت الملائكة إلى أعل قلل الشرف واستحقوا دوام البقاء للتنزه عن المأكل والمشرب مع مداومات الذكر وشراب الفكر وهو التنزيه ، والتسبيح من الملائكة وبه تجذب الملوك إلى المتزهدين وبه تنال مراتب العاشقين ويحدث منه خاصة جذب القلوب وقد يقف الذاكر الصادق على باب حسن الآداب وينحل بالذكر طريق الأسباب فتخلع نعل حب الدنيا . عن قدم إقدامه . ويقطع عوسج وساوسهم ببلوغ مرامه ويقف على طور صفاء قلبه في وأدى تقديس لبه هناك فيسمع كلام ربه . إني أنا الله رب العالمين . ويكفيك ما مر بك من قصة أمية بن أبي الصلت الثقفي . كان يترشح إلى طلب النبوة فقال لأخيه ها أنا أنا فأصطنع لي طعاما قال فبينا هو نائم إذ رأيت قد نزل طائران من النافذة فشق أحدهما صدره ثم أخرج منه نمته سوداء فقال أحدهما أوعى ؟ قال نعم وعى علوم الأولين . فقال أو زكى ؟ فقال لا فقال رد فؤاده إليه فليست النبوة إنما هي لسلالة آل عبد المطلب فلما انتبه أخبرته بالقصة فبكى وتمثل . باتت همومي تسري طوارقها . . . أغض عيني والدمع سابقها مما أتاني من اليقين ولم . . . أوت براءة يقض ناطقها إما لظى عليه واقدة . . . النار محيط بهم سرادقها أم أسكن الجنة التي وعدالأ ب . . . رار حفت بهم حدائقها هما فريقان فرقة تدخل ال . . . جنة مصفوفة نمارقها و فرقة منهما قد أدخلت الن . . . ار وسيئاتهم مرافقها لا يستوي المنزلان لم ولا ال . . . أعمال لا يستوي طرائفها تعاهدت هذه النقوس إذا . . . همت بخير عاقت عوائقها و صدها للشفاء عن طلب الجن . . . ة دنيا الله ما حقها عبد وعي نفسه فعاتبها . . . يعلم أن البصير رامقها ما رغبة النفس في الحياة لتح . . . يا طويلا فالموت لاحقها يوشك من فر عن منيته . . . يوما على غرة يوافقها إن لم تمت غبطة تمت هرما . . . الموت كأس والمرء ذائقها وبهامات مصدوع الكبد : منعه شركه عن نيل مقصده . إذا الشهوات قاطعة . واللذات مانعة ومن رام الماء صبر على الكدر ومن قطع الليل خلص عن حر الطريق ومن جعل نفسه ذات الشهوات كان مسقطه الكثيف . والخلوات . ومن قطع العلو بهمة المجاهدات نال أعظم المراتب بالصبر على المصائب والنوائب . وما صاحب المآكل الكثير يحظى بسوء التدبير وهو مستور لا يفلح أبدا .
Shafi 85